فصل من رواية المصائر لياسر شعبان

الأربعاء، 16 يونيو 2010 02:40 م
فصل من رواية المصائر لياسر شعبان الروائى ياسر شعبان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رسام الخرائط
"الصمت زاد المحارب فى استراحته، والفضاء المفتوح أقسى من القفص على الطائر مهيض الجناح، وأنثى تعرض مباهجها أشواكًا تنغرس فى جسد العاجز".

إدراج

لم يكن عجوزًا عندما كلفوه بهذه المهمة، ولكنه لم تظهر عليه أمارات الشباب المناسبة لسنوات عمره السبع والثلاثين. لم يكن عجوزًا أو شابًا، فماذا كان؟

كان حزينًا ربما. كان مكتئبًا، فى الغالب. كان صامتًا، دائمًا. لكن الأكيد (بالنسبة له) أنه لم يكن يجيد الرسم ويجهل الكثير عن الجغرافيا، فلماذا اختاروه هو بالذات؟ ومن أرشدهم إليه؟! (توحى هذه الكلمات بحس تآمرى، ربما كان يناسب شخصيته فى هذه الفترة..).

فقط وجد فى صندوق بريده الإلكترونى هذه الرسالة ذات العنوان الملفت "باب يحتاج يدًا تدقه ليفتح، وعالم سحرى يحتاج من يخطو داخله ليطلق قواه، ونهاية وشيكة، فاقتنص الفرصة..!!".

قال لنفسه، إذا كان هذا هو العنوان فقط، فيكف ستكون الرسالة ذاتها؟ هل يفتحها؟ هل ستكون نسخة من مخطوط "نوسترا داموس"؟. يفتحها.. لا يفتحها.. تلك كانت مشكلته لحظتها..

أعاد قراءة عنوان الرسالة، تأمله طويلاً، وربما ظن أن به شفرة من نوع ما "باب، عالم، نهاية"، "يدا، سحرى، وشيكة"، "يفتح، يطلق، قناص". وبعد ساعات، ربما، من التأمل، قرر أن يفتح الرسالة، ولم يجد بها سوى سطر واحد: "أنت مكلف بإعادة رسم خارطة العالم".

تعليق

الفكرة جيدة ومشوقة، لكننى أشعر أنها تحتاج إلى انتباه شديد للحفاظ على هذا الخيط المشدود بين الغامض والمباشر. أعرف أنك لن تغفل هذا، لكن شعرت أننى يجب أن ألفت انتباهك.

مجهول

تعليق

أفضل أن يكون المدخل أسطوريًا كاملاً، وليكن هكذا:

"بعد أن حبسوه فى قبو مظلم طوال عشرين سنة، ووضعوا على وجهه قناعًا من ذهب، فتحوا القبو، حسب تعاليم عرافهم الأعمى، ذات ليلة حالكة الظلام، فوجدوه بأحد الأركان ُمقرفصًا وقد غطى الشعر جسده كله. كانت الأوامر أن يخرجوه على حالته تلك، ويحملوه إلى هذا العراف ولدهشتهم لم يقاومهم، لم يصرخ، والأكثر لم تَفُح منه أية رائحة كريهة أو منفرة حتى، وبمجرد دخوله على العراف الأعمى، أمر بإدخاله حجرة بيضاء الجدران، وأن يأمروه برسم خارطة للعالم من الذاكرة، ويشددوا عليه أنه بناء على هذه الخارطة، سيعاد تقسيم العالم مرة أخرى.

(ما رأيك يا عم؟)

سيزيف



إدراج

وبعد تفكير وتأمل وأرق واضطراب قولونه العصبي، قرر الرد على هذه الرسالة بكلمات لا تقل غموضًا، فكتب:

"الصمت زاد المحارب فى استراحته، والفضاء المفتوح أقسى من القفص على الطائر مهيض الجناح، وأنثى تعرض مباهجها أشواكًا تنغرس فى جسد العاجز..".

كتب كل هذا فى خانة الـ"موضوع Subject" وانتابه شعور مبهم عندما وجد كلماته أقرب للشعر منها إلى الشفرة أما الرسالة، فلم يكتب بها إلا ثلاثة أسئلة:

لماذا أنا؟

ما المطلوب؟

ما المقابل؟

وفتح نافذة أخرى على محرك البحث "جوجل Google" وكتب "قواعد رسم الخرائط ـMaps drawing bases ". وقام بتخزين عشرات الملفات ليعود إليها عند الحاجة؟. ثم كتب "تاريخ رسم الخرائط ـ History of map drawing" وأدهشته كم كانت الخرائط القديمة تبدو للكائنات الأسطورية أقرب، وبلا فواصل كثيرة كما هو الحال فى الخرائط الحديثة.

وهمس لنفسه.. لعنة القوى الاستعمارية..!! وتنهد بعمق (دون سبب واضح/ مباشر).


تعليق

طوال سنوات دراستى كنت فاشلاً فى مادة الجغرافيا. عجزت عن حفظ أسماء عواصم الدول ومساحاتها وحدودها. عجزت عن تخيل ما تعنيه تلك الخارطة فى الواقع ومرة سألت أبى عن معنى الحدود، وهل هى موجودة فعلاً بهذه الدقة كما تظهر فى الخرائط؟ هل خلقها الله عندما خلق الأرض؟ هل لو مشيت باتجاه ليبيا سأجد هذا الخط المستقيم إلا قليلاً الذى يظهر فى الخارطة، أم سأجد بعض الجنود البؤساء الذين يحرسون سلكًا شائكًا صدئًا مشدودًا، فى غير استقامة، فوق رمال صفراء ليس هناك من يستطيع التمييز بينها على جانبى السلك؟ ابتسم أبى، وحكى لى عن اشتراكه فى حرب اليمن وهو الجندى المصرى الذى كان يؤمن مثل زعيمه "عبد الناصر" أن الأمة العربية بلا حدود تفصل بين الناس. وبعد سنوات من هذا الحديث أضفت إلى عجزى عن فهم الجغرافيا والخرائط والحدود، عجزى عن فهم لماذا حارب أبى فى اليمن، وكيف كان شعوره عندما عاد من هذه الحرب بأثر لجرح غائر فى جانبه الأيسر دليلاً باقيًا على طعنة من خنجر وجهتها يد دليلهم اليمنى..!!.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة