منذ زمن بعيد عرف السر فى تقدم الأمم وتحضرها.. عرفوا أن الأمم تستثمر فى شعوبها وأن بناء الفرد هو أساس أى أمة فى التقدم والرقى.
الإنسان المصرى منذ مئات السنين يعيش فى دوامة ودائرة مفرغة من القهر والاستضعاف.. تواكب الغزاة والمحتلون الواحد تلو الآخر، وخلال تلك الرحلة ترسب فى نفسه الشعور بأنه فى صراع دائم لنصرة ذاته.. جاءت فترات استكانة ورضى بالهوان.. وفترات أخرى أظهر روح الفرسان.. خاض خلالها حروبا ونزالات.. خسر معاركا كثيرة وانتصر أحيانا ولكنه لم يصل أبدا لحافة فقدان الذات والانهيار.
جاءت الثورة وقالت ارفع رأسك يا أخى.. لقد مضى عهد الاستعباد.. ولكن هيهات.. فقد أبى القدر أن يكون هذا الكلام وعدا وصدقا.. كان كلاما أدبيا.. لم يكن نابعا من القلب والوجدان.. كان ما كان من تجرع الكثيرين لمهانة ضياع الكرامة وإذلال النفس من أناس نسوا الله فأنساهم أنفسهم.. اشتروا عرض الدنيا من منصب ومال وتزلفا لسادتهم بانتهاك نفوس وأعراض وأموال..!!
نصبوا أنفسهم خصوما وقضاة.. يسومون الناس العذاب والامتهان.. البعض يسلم الروح شهيدا وآخرون تذهب عقولهم أو تصنع منهم كائنات خنوعة ضعيفة.. والقلة ممن رحمها الله تحتسب وتخرج رافعة أيديها بالدعاء تنتظر عدالة السماء. ماذا تفعل الإهانة والإذلال والنيل من الكرامة ببعض النفوس الأخرى؟؟
هرس الكرامة وتجرع المهانة يشكل عجينة يتم إعادة تكوينها ذاتيا لتصنع وحشا بشريا وأداة جاهزة لتدمير الغير لاتبقى ولاتذر تأخذ فى طريقها الأخضر واليابس وجاهزة لتدمير نفسها التى فقدت الرغبة فى البقاء.
صنعوا الكثير من الوحوش الأدمية التى تمتلئ نفوسها بالحقد والكراهية لتنطلق لتظلم كما ظلمت.. وهكذا يجد زبانية العذاب لأنفسهم مبررا جديدا للظلم والعدوان فيواصلوا طغيانهم ليصنعوا وحوشا أخرى.. وبهذا تكتمل حلقات دائرة الخسران إحكاما.
الواقع يقول والعقل يتساءل من أوصلنا لحالة عشق المصلحة الشخصية ونفسى ومن بعدى الطوفان والشح فى العطاء للآخرين.. من أوصلنا لحالة السلبية والتقوقع والإحساس بالدونية..!!؟
هل تلك الصفات يمكن أن تصنع إنسانا ينفع نفسه..؟؟ وهل مجتمع يتشكل من هؤلاء يمكن أن يكون نواة لبلد يريد أن يجد موقعا بين بلاد العالم المتحضر يوما ما..؟؟
تمر السنون تلو السنون وترتفع الأقدار وتنخفض.. ويبقى الحال كما هو عليه.. فالشعب المصرى بعد أن خاض ما خاض من مسيرة طويلة لم يتمكن من فرض المنظومة التى تجعل له حقا ثابتا من الحفاظ على كرامته وحقوقه التى تكفلها الشرائع السماوية قبل القانون، والتى يستطيع من خلالها أيضا محاسبة الجانى وأن يأخذ كل ذى حق حقه.
إننا نعايش حالة قانون بلا قانون.. قواعد بلا قواعد.. نظام بلا نظام.. انتشرت العشوائية فأصبحت لها السيادة وأصبح القانون لا يطبق إلا على الضعفاء والمستضعفين.. أما الأقوياء وأصحاب النفوذ فالاستثناء لهم هو القاعدة.. أصبح الكثير من الأحكام فى أيدى المساكين عبارة عن أوراق بها مداد ولكن ليس بها مدد.. يمسكوا بها والحسرة والقهر يملأ قلوبهم.. يترسب الحقد فى النفوس فتصبح شريعة الغاب لها الكلمة.. إن كنت أسداً لن تأكلك الذئاب.. أصبحت البلطجة والاستهتار بالقانون لهما الغلبة والسيادة..!!
إلى أى طريق يسار بنا وإلى أى مكان هم بنا ذاهبون..؟؟ أيها السادة لقد أخرجتم وحوشاً كثيرة من نفوس كانت مطمأنة، وكسرتم وأوهنتم نفوسا أخرى تحولت لنفوس متهرئة ضعيفة خائفة ومن هؤلاء لن يكون لنا كيان فى عالم اليوم.
آن الأوان ليحصل هذا الشعب على حقه فى دولة يسودها النظام والقانون.. دولة يفتخر الإنسان أنه ينتمى إليها.. ترد إليه إنسانيته التى سلبت منه.. ترد له كرامته وحقوقه.. تعلمه أن يكون إنسانا معطاء.. أن العطاء لا يحتاج إلى إمكانيات مادية ولكنه يحتاج لنفوس كريمة.. نفوس تتنفس العزة والكرامة.. نفوس تحس أنها كما تأخذ فإنها يجب أن تعطى وأن ماتعطيه اليوم سيجنى ثماره أولادهم غداً من وطن متقدم مزدهر لكل مجتهد فيه نصيبا.
هل يمكن أن نعيش حتى نرى ذلك اليوم أم أننا كتب علينا أن نظل فى حالة الصعود إلى الهاوية!!؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة