إبراهيم ربيع يكتب: كوريا الشمالية.. فريق مغلق من دولة مغلقة.. إنها السياسة

الأربعاء، 16 يونيو 2010 04:35 م
إبراهيم ربيع يكتب: كوريا الشمالية.. فريق مغلق من دولة مغلقة.. إنها السياسة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء


وأنت تشاهد منتخب كوريا الشمالية وهو شديد الصلابة أمام السامبا البرازيلية يتملكك اقتناع بأن البيئة وأسلوب الحياة والميراث السياسى والعقائدى والاقتصادى يحدد شكل أى حالة إبداع.. فالفريق الكورى كان مغلقاً مثل دولته المغلقة على نفسها ولديها إصرار على تحدى العالم وعدم الاكتراث كثيرا بكبار هذا العالم الذين يأمرون فيطاعون.

وبمثل ما تحشد كوريا "الدولة" السلاح للدفاع عن نفسها وتنجز برنامجا نوويا للردع.. فإن منتخبها حشد دفاعاته أمام راقصى السامبا لمدة 55 دقيقة لم يستطع خلالها منتخب البرازيل أن يمارس هوايته فى تهديد مرمى الخصوم والتعبير عن قوته وبراعته.. بنى المنتخب الكورى شبكة عنكبوتية من الدفاعات مثل قواعد الدفاع الجوى الصاروخى التى تغطى الدولة المترقبة دائما لأى اعتداء خارجى يقف على الأبواب.. ترسانة من اللاعبين تشكل حائطاً خرسانياً ممتداً من الأطراف إلى العمق احتار معه نجوم أفذاذ استحال على دفاعات الدنيا كلها إيقافهم.. لم يجد منفذاً للمرور أى من كاكا وروبينهو وفابيانو ومايكون، فاضطروا إلى الانتظار والتفكير البطىء والتحرك الأبطأ مثلما يحدث فى السياسة عندما تتباطأ أمريكا والقوى الغربية فى محاولات اختراق الصمود الكورى الشمالى الذى يهدد مباشرة الحليف الكورى الجنوبى، ومعه اليابان وكل دول العالم الحر الذى يرفض الشطر الشمالى أن ينضم إليه متمسكا بعقيدة تخلى عنها أصحابها السوفييت، واستعصى على الأتباع التخلى عنها لأنها على الأقل تحمى الزعامات المغرمة بالحكم الأبدى.

منتخب كوريا الشمالية هو تقريبا الممثل الوحيد من بين 32 منتخبا للاشتراكية أو الشيوعية التى كانت نظاما عالميا لم يبق منه سوى بقايا ونماذج متناثرة فى الكرة الأرضية موزعة بين التشدد والمرونة.. بينما باقى المنتخبات ممثلة لدول الليبرالية والمجتمعات الحرة أو الراغبة فى أن تكون حرة.. والمؤكد أن البيئة والنظم السياسية والاقتصادية تلعب دوراً رئيسياً فى تكوين روح وجوهر الرياضة.. ولم تقع عينى على لاعب يبكى بـ"حرقة" عند عزف السلام الوطنى لبلده من فرط التأثر وحماس شعوب الدول المغرمة بزعاماتها مثل ما رأيته فى دموع اللاعب الكورى الشمالى جون تاك سى الذى بدا لى وكأنه يبكى لبلده التى تشعر بالاضطهاد من الدنيا كلها.

ولا أرى فرق المجتمعات الحرة أبداً منغلقة على نفسها فى الملعب.. يمكنها أن تدافع لظروف فنية لكن روحها هجومية وتنظر إلى الإمام رغم أنها تدافع فى الخلف وتظل طموحة حتى الدقيقة الأخيرة إلى أن تغير النتيجة أو على الأقل تحسن صورتها.. فروح المنافسة فى الاقتصاد الحر نراه حاضرا فى الملاعب، بينما المركزية الطاغية فى الاقتصاد الموجه نجدها مترجمة فى الملاعب بهياكل للدفاع عن النفس.. فالمهم ألا يصاب المرمى بهدف بنفس فكرة ألا يصاب النظام بأذى.

ورغم أننا نحب الكرة البرازيلية جدا، إلا أن المنتخب الكورى نال تعاطفنا.. ربما لأننا نتعاطف تلقائيا مع الضعفاء المقهورين المحاصرين، وهو ما تفعله دول مع النظام السياسى فى كوريا.. هناك تعاطف مع الضعيف الذى يريد أن يكون قويا رغم كراهيتنا الحقيقية لأى نظام ديكتاتورى قمعى غليظ القلب وكاتم لأنفاس شعبه.

هذا نوع من التداخل العميق بين السياسة والرياضة.. بنفس التداخل الذى أحدثته مباريات مصر والجزائر فى التصفيات.. وتشاء الأقدار أن نعود للحديث عنها إجباراً واضطراراً، ونحن نرى جمهور الكرة الجزائرى يشاغب وينزل الملعب فى المونديال ويمارس العنف فى شوارع فرنسا.. وهو ما يؤكد ما كتبته من قبل مؤكدا فيه واقعية من يفصلون بين الجزائر الدولة الشقيقة العريقة وبين منتخب بجمهور يبدو لنا منفصلا عن طبيعة دولته.. وهذا ليس عيبا عاما شاملا نعممه على مجتمع كامل أو دولة بكامل هيأتها، وإنما ننظر إليه من باب انسلاخ فئة عن طبيعة مجتمع ويجب التعامل معها برؤية مغايرة.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة