الزحام المرورى الشديد عند مدخل شارع (عباس العقاد) أتاح لى رؤيّة جيّدة للمشهد.. فى البدء لمحت الـ CTA بلونه الأخضرالمميّز على بعد صفين من السيارات.. كدت أدير رأسى عنه وأنا أنقر عجلة قيادة سيارتى بأظافرى الطويلة المطليّة بلون داكن، عندما لمحتها من خلال زجاج المينى باص.. واقفة فى الممر الضيق بين صفىّ الكراسى، تجاهد لتناور الواقفين من حولها بجسدها الضخم الممتلئ.. سمينة حقاً كانت.. وجهها المنتفخ ذو اللغد ملطخ بماكياج ردئ سال أغلبه مع العرق على بشرتها السمراء بفعل الحر الشديد.. لم أميّز من موضعى هذا إن كانت ترتدى جوب أو بنطلون، ولكننى لم أحب البلوزة البيضاء الّتى تغطى كتل الشحوم على نصفها العلوى.
رحت أسلى نفسى وسط هذا الزحام المرورى الكثيف بمراقبتها وهى تحاول التحرك يمنة ويسرة بصعوبة شديدة نظراً لضيق الحيّز المتاح للحركة داخل المينى باص، وعدد الركاب الكبير، وقبل كل هذا سمنتها المفرطة.. أحد الركاب يفلت من المسافة الضيقة المحصورة بين عجيزتها والمقعد من خلفها، فيرميها بنظرة حانقة قبل أن يثب من باب العربة مردداً شئ ما لم أسمعه بالطبع لأننى أغلق زجاج سيارتى حفاظاً على الهواء المكيف داخلها.. لم أسمعه، ولكن تعبيرات وجهه الساخطة توحى بمدى سماجة السباب الّذى يطلقه.. عدت ببصرى إليها بسرعة لأرى رد فعلها، فوجدتها تشيح بوجهها بعيداً متظاهرة بأنّها لم تلحظ شيئاً، بينما من حولها ينظرون إليها بمزيج من إشفاق وسخرية..
كم يبلغ عمرها..؟.. لا أراه يزيد عن الثلاثين عاماً بأى حال.. تأملتها.. وجهها لا يخلو من حسن.. أنفها الدقيق، وعينيها الواسعتين، وشفتيها الممتلئتين قليلاً.. كانت لتغدو جميلة فعلاً لولا بدانتها.. وعندما رفعت كفيّها لتتشبت بمسند ظهر المقعد المجاور لها لمحت أصابعها المكتنزة خالية من أيّة خواتم أو دِبَل..
لم يصعب علىّ تخيل حياتها الخالية من مشاعر عاطفية تحتاج هى إليها بالتأكيد ربما أكثر من أى شئ آخر.. الشبان يعشقون الجميلات، والرشيقات منهن على وجه الخصوص.. الفتاة الرشيقة ذات الصدر المكتنز والمؤخرة المشدودة هى "المزّة" و"الصاروخ" و"الفرسة" و"المكنة" إلى آخر تلك المصطلحات الّتى لا آخر لها والّتى يتفنن الشبان فى إبتكارها.. أما السمينات كصاحبتنا هذه فلا يعبأ بهنّ أحد.
شعرت تجاهها بشئ من الأسى.. فتاة فى مثل عمرها بحاجة إلى عين ذكوريّة ترمقها بإعجاب أو حتى باهتمام.. بحاجة إلى سماع كلمة غزل رقيقة مباشرة أو غير مباشرة.. بحاجة إلى من يشعرها بأنّها ليست سيئة إلى هذا الحد.. بأنّ هناك – لايزال- من يراها جديرة بأن تحب وتُحَب..
غير أنّ شعوراً ما بالسخط مختلطاً بشئ من التشفى –للأسف- راودنى فى هذه اللحظة.. فى النهاية بوسعها أن تعتنى بنفسها بشكل أفضل.. كانت النتيجة لتغدو أحسن ولو قليلاً من هذا المنظر المزرى الّذى تبدو عليه، ثم يمكنها بعد ذلك أن تفكر بحقها فى الشعور بالحب..
الرجال معذورون بشكل أو بآخر فى نفورهم من السمينات.. طيلة الوقت يشاهدون الفاتنات فى الأفلام والكليبات والإعلانات يخلبن القلوب والألباب، فهل ننتظر منهم بعد ذلك تجاهل ذاكرتهم المليئة بصور الأجساد الفائرة الملتهبة، والإلتفات إلى أكوام الشحوم هذه..؟!!..
برغمى ابتسمت إذ تخيلتها –هذه الفتاة- وهى تمارس الحب.. لا توجد غير "طريقة التصادم" كما قال المرحوم (علاء ولىّ الدين) فى فيلم (الإرهاب والكباب) عندما سألته (يسرا) عن الطريقة الّتى يمارس بها الجنس مع زوجته الأكثر منه بدانة.
ألقيت نظرة أخيرة عليها إذ بدأت طوابير السيارات أمامى تتحرك أخيراً ببطء، فوجدتها محتفظة بتعبير ثابت على وجهها يتداخل فيه شئ من الكبرياء الأنثوى مع شئ من المرارة مع الكثير من التأفف والضيق.. ثم كان أن اختفت واختفى المينى باص بأكمله من أمامى عندما انحرفت بالسيارة عند ناصية كشرى التحرير إلى شارع (أنور ياسين).. استغرقت وقتاً لأعثر على مكان خال لأوقف فيه سيّارتى، ثم غادرتها بصعوبة، و مددت أصابعى لأفرد خصلات شعرى الشقراء المصبوغة.
مشيت نحو إحدى البنايات، وتوقفت لحظة أمام تلك اللافتة المضيئة المثبتة على مدخل البناية.. دكتورة (منى راداميس) أخصّائيّة التخسيس والتغذية.. دكتوراة من جامعة (...).. نظرة واحدة ثم عبرت مدخل البناية بخطوات سريعة بينما كعب حذائى يدق على الأرضيّة المصنوعة من البورسلين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة