فى محاولة لتحليل الموقف الاقتصادى ووصف حالة المرض الاقتصادى المصرى من وجهة نظر الفكر الاقتصادى الشمولى ومن وجهة نظر الظروف المصرية الحالية، التقى الكاتب والصحفى الكبير ونقيب الصحفيين الأستاذ مكرم محمد أحمد من جهة، والدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار، على صفحات الأهرام يوم السبت الماضى تحت عنوان لماذا كان ينبغى أن نعيد النظر فى الخصخصة؟! وقد سبق وكتبت فى اليوم السابع مقالات عن الطرق التى تم تجربتها بنجاح فى دول أخرى قامت بالخصخصة الناجحة التى تفيد الدولة والعمال والمجتمع كله، ولكن مع الأسف لم يلتفت مسئول لما كتبت، وكالعادة كانت عملية الخصخصة القليلة الفعلية التى تمت تشوبها المصالح الشخصية والارتجالية فى التطبيق والأمثلة على ذلك ما حدث لمحلات عمر أفندى وغيرها من العمليات التى تمت فيها التضحية بمصالح الوطن والدولة والعمال لخدمة مصالح يعلم الله كنهها ومداها.
ولكن كما هو معروف ومع الأسف أن معظم وزراء مصر الحاليين لا يبدعون ولا يستخدمون تجارب دول العالم، ولا قواعد الاقتصاد بالتطبيقات المناسبة لمشاكلنا ولكنهم ومع الأسف يعتمدون تماما على مستشارين يتقاضون المرتبات والبدلات الهائلة قابعين فى مكاتب مجاورة لمكاتبهم، ينفثون للوزراء خبراتهم التى لا تعرف من العلوم الاقتصادية الحديثة شيئ ولا تعرف معنى لكلمة الابتكار والإبداع فى الفكر واتخاذ القرار، ولكنها فقط ناتجة عن خبرات عملية فى عصور من النظام الشمولى الذى فشل فى مصر وفى العالم أجمع، وهى خبرات جامدة لا تنطبق شروطها مع شروط إقامة المجتمع المصرى المتحضر الذى يجب أن يستفيد فيها العمال والشعب المصرى بنتائج الخصخصة التى يجب أن تكون مثمرة للجميع "العمال، والدولة، والمجتمع"، وهذه النقطة هى إحدى نقط الضعف فى النظام الاقتصادى القائم .
وما أزعجنى فى ذلك الحوار أن الوزير وهو سليل أسرة سياسية وجد نفسه فى السياسة، وبالرغم من أن دراسته كانت متعلقة بالاستثمار، فإنه صرح بأنه "لن يقوم ببيع مؤسسة اقتصادية لمستثمر رئيسى "وهو شىء رائع"، وإنما سيطرح بعضا من أسهمها فى البورصة "وهذا أيضاً شىء رائع"، ويبقى للدولة القدرة على التحكم فى الوحدة الاقتصادية "وهذا شىء جدا "، لأنه يعنى فى الواقع العملى وجود قطاع عام قوى داخل القطاع الخاص فتحصل الوحدة الجديدة التى هى ليست عامة نقية، ولا خاصة صافية، على مساوئ كليهما، هذا بالرغم من ثبوت فشل جميع قيادات القطاع العام فى إنجاح أى من الشركات التى أممتها أو أنشأتها الدولة لهم والأمثلة كثيرة، وهنا نقول إن تحقيق قدر من الربح فى شركة ما ليس دليلا على كفاءة الإدارة.
فقد جرت عادة معظم إدارات القطاع العام على إظهار الأرباح غير الحقيقية للشركة سعيا للحصول على المكافآت ونسبة الـ10% من الأرباح للعاملين وأولهم القيادة العليا للشركات، حتى لو كان الأمر يتطلب اللعب فى أرقام بضاعة آخر المدة، أو احتكار الخامات التى تورد للشركات فى حالات كثيرة بأسعار اقل من قيمتها التنافسية فى السوق، هذا بالإضافة إلى العيوب المعروفة التى سببها النظام الإدارى الشمولى، وإحجام العمال عن الإبداع والابتكار والمحافظة على الآلات والمعدات ووقت الإنتاج، علاوة على إهدار الجودة لعدم وجود الدافع الذاتى الداخلى للعامل عندما يعرف أن رئيسه أو مدير الشركة يتصرف بطرق فاسدة بشكل من الأشكال.
لذلك فقد سبق أن قدمنا فكرة صغيرة عن الخصخصة الواجب تطبيقها فى ظل الظروف الحالية فى مصر، مما سيساعد أيضاً على علاج بعض المشاكل اليومية من احتجاجات واعتصامات للعمال مما يعطل الإنتاج ولا يؤدى إلى نتائج إيجابية بسبب فشل الإدارة فى تحقيق قيم مضافة تسمح بتوفير حياة كريمة للعمال وتبعد الشركات عن الإفلاس الذى تعانى منه.
والفكرة تلخصت فى أربع نقاط:
1- حظر بيع مؤسسة اقتصادية لمستثمر رئيسى.
2- يطرح بعضا من أسهم الشركات المراد خصخصتها لا تتعدى 40:30% من أسهم الشركة فى البورصة.
3- بيع نسبة معادلة لتلك المباعة فى البورصة إلى العاملين بالشركة نفسها، بآجال وعلى أقساط تخصم قيمتها من أرباح العاملين بتلك الشركات.
4- النسبة المتبقية تظل ملكيتها فى يد الحكومة، بحيث لا يكون لها سلطة اتخاذ القرار منفردة، ولكن وفقاً لنظم الشركات يجب أن يؤيد الحكومة نسبة من العمال أو من المساهمين فى البورصة حتى ترجحها إذا كانت فكرتها صائبة واقتنع بها المساهمون.
تودع قيمة الأسهم المباعة فى صندوق لتنمية الشركة، أو إقامة بنية أساسية جديدة، أو سداد الدين العام.
سيترتب على هذا تشجيع العمال على مايلى:
- زيادة فعالية العمال فى زيادة الإنتاج والمحافظة على الخامات والوقت المستخدم فيه ورفع جودة المنتج، ودفعهم إلى الابتكار والإبداع، بسبب تجدد الأمل فى مستقبل حياة كريم.
- رقابة العمال الفعالة على الإدارة، حيث سيكونون ممثلين فعلا فى الإدارة وليس وهماً كما يحدث حالياً، بالإضافة إلى الرقابة اليومية من العمال على ما يجرى أمام أعينهم فى الشركة، وهو ما يساعد على تقليل ومنع إفساد المنتشر فى القطاع العام.
- وقف الاعتصامات والاحتجاجات للعمال التى تتم حاليا، لأنهم سيكونون العامل الأساسى فى زيادة ربحية الشركات، وسيكونون مسئولون عن نتائج الشركة ووقت الإضراب سيضر بمصلحتهم ضررا مباشرا إذا فكروا فيه.
إن فرص الاستثمار وتشجيع الاستثمار نتبينها فى أشكال البنية الأساسية من مواصلات واتصالات وطاقة وطرق وموان ومطارات وكهرباء وماء وصناعات إستراتيجية ومزارع عامة، فضلا عن أرض مصر كلها البالغة مليون كيلومتر مربع،93% منها لم يمسسها بشر بما فيها من ثروات طبيعية لم يكتشفها بشر.
فيجب وضع الخطط النافعة المؤثرة لاستغلال ثروات مصر، بدلا من الجمود الذى تعيشة الوزارات المختلفة وتعيشه مصر، ففى مصر أكثر من70 ألف شركة يمكن خصخصتها لا يوجد فيها من العمال مايزيد كثيراً عن300 ألف عامل بالرغم من أن عدد العمال فى مصر، يقترب من24 مليون نسمة.
فأين السيد وزير الاستثمار من هذا، ما جرى فعليا أنه بعد خمسة وثلاثين عاما من الانفتاح الاقتصادى، والإصلاح المالى، نجد الوزير المختص بالاستثمار ينوى القيام به إعادة سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج بصورة أسوأ مما هى عليه الآن وما كان عليه سابقا حتى نعيش 35 عاما أخرى فى ظلام القطاع العام وسيطرة الدولة على مقدرات الشعب، إن القطاع العام الذى سبق أن أثبت فشله فى العالم أجمع، يعاد الآن تركيزه فى فكر الوزير من مستشاريه غالباً، لإعادة التجرية وتعيين موظفين من القطاع العام، لإدارة تلك الشركات وهو بالقطع مانحذر منه، لأنه سيؤدى حتما لفشل مركب جديد قد يودى باقتصاد مصر بالكامل.
إن ما سيحدث أسوأ مما سبق وحدث، فلو وافق القطاع الخاص على مشاركة الحكومة وهو أمر مشكوك فيه ويصبح القرار فى يد موظفى قطاع عام ليس لهم خبرة كما ثبت فى جميع القطاعات ولكم أن تزوروا شكرة راكتا للورق والعامرية للغزل والنسيج والمحلة الكبري، فالفشل فى الإدارة هو سبب كل مصيبة ومع ذلك مازال الوزير يفكر فى سيطرة القطاع العام على الشركات التى سيتم خصخصتها، مع أن ملكة عمال الشركة لأسهم فيها نتائجه مجربه حيث يصح العمال مسئولين عن كل شىء الجودة والكمية والنظافة والخامات، والرقابة على الإدارة.
إن على الوزير أن يراجع نفسه ويفكر فى البرنامج الذى سبق وتقدمت به، أو البعد عن خراب مصر، ولحفظ أموال الشعب والعمال وجعل العمال المسئولين عن كل شىء، وسبق وأرسلته إلى لجنة السياسات بالحزب ولم يبالى به أحد.. كفى تهوراً ونظرة ضيقة لمصالح عمال مصر.
* دكتوراه فى الإدارة ورجل أعمال.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة