لحق الاستعمار بالكثير من بلدان العالم على مر العصور، فكان فى فترة من الفترات كالوباء الذى يصيب الدول الفقيرة والمتخلفة دون غيرها، وقد أدى ذلك إلى تأخر تلك البلدان عن ركب الحضارة والتقدم لسنوات طويلة، حتى استفاق بعضها أخيرا، وأصبحت من الدول التى لا يقل شأنها على الساحة العالمية.
لكن مع انتهاء استعمار الدول الكبرى للدول الضعيفة، ومع مضى فترة الثورات والانقلابات التى حررت تلك الدول من كابوس التخلف والاضمحلال، لم تكن بلداننا العربية متسعدة للتحرر الكامل من نير الاستعمار وبراثنه، ظهر نوع جديد من الاستعمار ولكنه من داخل بلداننا، استقل قلة قليلة بزمام الأمور كلها، ولم يريدوا غيرهم، أو لم يعطوا فرصة لأجيال جديدة ودماء جديدة تسرى فى أماكنهم، فاتخذ بعضهم وسيلة إلى ذلك: هدم العقول وممناعة سبل النضج والوعى للشعوب، والإبقاء على الشعوب فى سبات عميق كى لا ينهضوا أبدا.
فأصبح أى صوت يدعو إلى التغيير هو معارض للنظام ويدعو إلى الإخلال بالأمن، وأصبح أى نداء إلى الديمقراطية والحرية اقتداء بأى دولة متقدمة هو منحاز للغرب وعميل ومتآمر على الوطن، فباتت نظرية المؤامرة كلمة سهلة يطلقها البعض على الغير دون تدقيق أو على الأقل فهم معناها. وهكذا تاهت أصوات الإصلاح فى غيابات الشعارات والاتهامات الزائفة، وتم تقويض دور كل من هو صالح فى المجتمع، وباتت نظرية المؤامرة، ذلك المولود الجديد الذى تركه لنا الاستعمار، هى نظرية التخلف التى تبقى علينا فى دائرة الجهل والتأخر عن ركب الحضارة والتقدم.
