محمد الدسوقى رشدى يكتب: هل تصلح الدبلوماسية الشعبية ما أفسدته السياسة فى أزمة حوض النيل؟

الجمعة، 11 يونيو 2010 07:41 ص
محمد الدسوقى رشدى يكتب: هل تصلح الدبلوماسية الشعبية ما أفسدته السياسة فى أزمة حوض النيل؟ وزير الرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
- كيف يبادر اتحاد الكرة بتنظيم بطولة لدول حوض النيل، وهو أكثر جهة فى مصر أهانت الأفارقة ووصفت دولهم بالجهل والفقر واللصوصية؟

- هل يجوز أن نتكلم الآن عن استخدام الأزهر كسلاح فى تلك المعركة بعد أن حولناه إلى مسدس صوت يزعج ولا يصيب أهدافه؟


أغرب ما فى قضية أزمة المياه مع دول حوض النيل أن الدولة المصرية تقدم أدلة إدانتها بأيدى مسئوليها الكبار.

والأمر الأكثر استفزازا فى نفس القضية أن جميع الجهات التى تحمل الدولة مسئولية الخلاف مع دول حوض النيل هى نفسها مسئولة بشكل أو بآخر عن ضياع أفريقيا من مصر.

أنا لا أكلمك هنا عن ضرورة التكاتف مع الدولة فى تلك الأزمة الوطنية لأن ذلك من الأمور البديهية، ولكن أحصر كلامى فى منطقة واحدة بسؤال محدد يقول: هل المؤسسة الرسمية تتحمل بمفردها مسئولية تدهور علاقتنا مع الدول الأفريقية؟ هل المؤسسة الرسمية بمفردها هى المسئولة عن غضب دول حوض النيل علينا؟ وهل المؤسسة الرسمية مطالبة بأن تتحرك بمفردها لإصلاح ذلك الشرخ الواسع بين مصر ودول حوض النيل؟.

الإجابة عن السؤالين الأول والثانى لا يمكن أن تخرج عن تأكيد كامل بأن المؤسسة الرسمية أوالنظام الحاكم فى مصر هو المسئول الأول عن أزمتنا مع دول حوض النيل ودول القارة الأفريقية عموما، ولكنه ليس المسئول الأخير أو الوحيد، وطبعاً لا داعى لأن أذكركم أن جرائم وسقطات الدولة فى مصر كلها كوم، وجريمتها فى أزمة المياه كوم تانى، لأنها جريمة من النوع الذى تذكره كتب التاريخ على اعتبار أنه الخطأ النموذجى الذى يجب ألا يرتكبه أى نظام حاكم يريد من التاريخ أن يحترمه ولا يرسله إلى تلك الخرابة المعروفة.

فالمشهد النهائى لأزمة المياه التى تصدرها دول حوض النيل الآن لا يمكن أن نفصله أبداً عن الأداء المتراخى للدولة المصرية التى أسقطت أفريقيا من حساباتها، ولا يمكن أن نفصله أيضا عن الطريقة التى تعاملت بها الدولة مع بوادر تلك الأزمة التى تظهر وتختفى منذ عشرات السنين.

فالدولة فى مصر تسوق على استحياء -كما يحدث كل مرة- أن الأزمة محلولة وأن سلاح التاريخ ومسألة الريادة المعروفة أشياء يمكن استدعاؤها للمساهمة فى حل المشكلة، أو أن ضخ المزيد من الاستثمارات فى أثيوبيا وكينيا وأوغندا قد يفلح فى تأجيل رغبات تلك الدول فى تقليل حصة مصر من المياه.. ولكنها لم تعترف أبدا أن هذه الحلول تبقى حلولا مؤقتة! ربما لأنها تشبه الرشوة المقنعة، وتكسر كبرياء كبار رجال السلطة فى مصر الذين يسوقون لنا قدرتهم على تحريك الأمور فى أفريقيا والمنطقة العربية بإشارة من أصابعهم، أو ربما لأنها تأتى على خلفية من التعالى لم تعد مقبولة لدى دول تغيرت الأوضاع داخلها بفعل ما تضخه دول كبرى، مثل إيران وإسرائيل والصين وتركيا من الأموال والاستثمارات فى بنيتها التحتية وحاضرها ومستقبلها المالى، بحثا عن دور ريادى وتأثير إقليمى، فى ظل انشغال مصر بأمور أخرى، أغلبها يتعلق بكيفية ضمان بقاء النظام الحاكم.

كان واضحا جدا أن النظام المصرى يعيش على أطلال الماضى، وكان واضحا أن الكبار فى الدولة المصرية لم يفطنوا إلى أن دول حوض النيل الفقيرة التى تعانى من آثار استعمار وحروب أهلية سيأتى عليها وقت ترغب فيه فى نفض غبار الاستعمار والحروب، وتبحث عن التنمية مثلها مثل كل دول العالم الثالث الذى كان قابعا تحت رحمة الاحتلال.

غفل المسئولون المصريون عن قواعد سياسية كثيرة تتحدث عن أن حماية الوطن لا تقتصر فقط على تأمين حدوده القريبة، فانشغلوا كثيرا بالشرق والغرب، ونسوا تماما أن هناك عند منابع النيل توجد أهم حدود للوطن المصرى التى تحتاج إلى عيون أكثر يقظة من عيون حرس الحدود فى سيناء أو على السواحل، غابت هذه العيون عن دول حوض النيل فلعب هناك من لعب، وأيقظ بداخل تلك الدول ما أيقظ من رغبة فى التواجد والتحدى، وأشعل فى المنطقة حريقا بدأ صغيرا وضعيفا، وشممنا رائحة دخانه منذ سنوات، ولم نتحرك لإخماده فاشتعل غضبه، وهاجت ألسنة لهبه، وها نحن نلهث خلف العالم كله ليطفئها، ونبحث عن أى ورقة رابحة فى أى كوم قش قد تساعدنا فى الحل، فيسافر الرئيس إلى إيطاليا ويطلب الدعم من بيرلسكونى، وتتحرك الوزارات وتخرج التقارير من أدراجها، ويفتكس المفتكسون خططا لا تعلم لماذا صمتوا عنها كل هذه السنوات، فيطلبون من رجال الأعمال الاستثمار فى حوض النيل، ويخرج عليك وزير الخارجية ليعلن بفخر عن قيام الصندوق المصرى لدعم التعاون الفنى مع أفريقيا بعقد دورات تدريبية على مدار عام لـ 100 طبيب أفريقى معظمهم من دول حوض النيل، وذلك بالتعاون مع معهد تيودور بلهارس بمشاركة 14 طبيبا فى أمراض الكبد من دول السودان وأثيوبيا وكينيا وأوغندا.

وبالطبع لم يلتفت السادة المسئولون إلى أن تحركاتهم الحماسية هذه التى جاءت فى الوقت الضائع ليست فقط هزيلة أوتبدو ذليلة بشكل يحرج مصر، ولكنها أيضا دليل إدانة قوى لكل المسئولين لأنها تفتح بابا لسؤال مهم يقول أين كانت كل هذه التحركات منذ عشرات السنين حينما كانت أشباح الخطر تقترب من مياه نهر النيل؟..

وبالطبع الإجابة عن هذا السؤال كافية لأن تأخذ كل مقصر من يده إلى حيث يوجد باب الزنزانة، وإلى حيث توجد الصفحات السوداء فى كتب التاريخ، ولكن أعود الآن إلى السؤال الذى طرحناه فى البداية وهو: هل المؤسسة الرسمية فى الدولة تتحمل بمفردها وزر ضياع أفريقيا؟ وهل يجوز للصحافة أن تحمل الدولة مسئولية ما حدث من أخطاء دون أن تعترف بمسئوليتها هى الأخرى؟ وهل يجوز أن يبادر اتحاد الكرة والمجلس القومى للرياضة باقتراح حلول كأنه يتطوع لإنقاذ الموقف دون أن يعترف بأخطائه فى قضية حوض النيل؟ وهل يجوز أن نتكلم الآن عن استخدام الأزهر كسلاح فى تلك المعركة بعد أن حولناه إلى مسدس صوت يزعج ولا يصيب أهدافه؟ وهل يجوز للمواطن المصرى أن يطالب بمحاسبة الدولة قبل أن يحاسب نفسه؟

إنها منظومة أخطاء متكاملة يا سيدى شاركنا جميعا فى صنعها، فكلنا -وليس النظام فقط- شارك فى صناعة هذا الشرخ الواسع بيننا وبين أفريقيا بشكل عام، ودول حوض النيل بشكل خاص، فنحن فى مصر نتصرف كأننا قطعة من أوروبا وضعها الله فى أفريقيا بالخطأ، نحن فى مصر كمواطنين ننظر إلى الشمال ولا نرى فى الجنوب سوى التخلف، نصور أفلامنا وأغانينا فى أوروبا، ونظهر الأفارقة فى أفلامنا لنسخر منهم ومن طولهم ولون بشرتهم.

نحن ننظر إلى أفريقيا باستعلاء وقرف ويمكننى أن أبرهن على ذلك بالإجابة عن سيل الأسئلة التى طرحتها فى الفقرة السابقة.

وتعال لنبدأ بالصحافة ودورها فى صناعة ذلك الشرخ بين مصر وأفريقيا، الصحف المصرية هى صاحبة العناوين الرنانة التى تقول إن طائرتين حربيتين قادرتان على أن تخضع دول حوض النيل، وهى إهانة شديدة لدول وأوطان تعتز بها شعوبها وجيوشها، وكأن شعوب أثيوبيا وكينيا وأغندا مجموعة من الأرانب لن تصمد ولن تدافع عن أرضها أمام التهديد المصرى.

هذه الصحف هى نفسها التى تتفنن بدون وعى فى معايرة شعوب أفريقيا بمواقف مصر، وكيف ساعدت مصر دول أفريقيا ضد الاستعمار، وكيف أطعمناهم حينما كانوا جوعى، وكيف ألبسناهم حينما كانوا عرايا، إلى آخر ما تتضمنه قائمة المعايرة من مميزات قدمتها مصر لدول أفريقيا.. هل هناك أكثر من ذلك إهانة؟ وهل تتخيل أن مواطنين ومثقفين فى كينيا وأوغندا وأثيوبيا يمكنهم أن يقرأوا هذا الكلام عن بلادهم دون أن يصابوا بالغضب أو يكرهوا مصر؟.

تعال نكمل قائمة الإهانات المصرية التى تؤكد أن جهود الدبلوماسية الشعبية التى نتكلم عنها الآن كحل من حلول أزمة المياه لن تنجح هى الأخرى، لأنها ببساطة كانت شريكا أساسيا فى صناعة الأزمة، فالسادة فى اتحاد الكرة الذين يدعون لبطولة تضم دول حوض النيل هم أكثر الناس إهانة للدول الأفريقية عموما، فلا أحد ينسى تصريحات سمير زاهر النارية التى طالب فيها بحماية منتخب مصر فى أنجولا متحدثا عن عدم وجود الأمن فى أنجولا، ولا تصريحاته هو وحسن شحاتة وأعضاء الاتحاد عن جنوب أفريقيا أثناء بطولة كأس القارات، وتصوير البلد كأنه غابة وبيت دعارة مفتوح، ثم لا يمكن أن ننسى التصريحات التى تصدر عن لاعبى مصر ومدربيهم كلما أوقعتهم أى قرعة فى مواجهة فرق أفريقية، فيبدءون الحديث عن الفقر وتخلف تلك البلاد وسوء الملاعب والفنادق الزبالة.. ألا تعتبر هذه التصريحات إهانة واضحة لشعوب هذه البلدان حتى لو كان بعض منها صحيحا؟ وهل من الدبلوماسية أن أتحدث عن دول أخرى بهذا الشكل؟ هل من الكياسة أن يخرج السادة المحللون والمنافقون والمسئولون الرياضيون فى كل مناسبة ليتحدثوا عن أن مصر أفضل دولة أفريقية تنظم البطولات دون أن يقدموا للناس برهانا واحدا على ذلك؟.

وبعيدا عن الكرة، تعال نتوقف قليلا أمام دور الأزهر الذى تذكروا أخيرا أن له من الأدوار السياسية التى يمكن أن يخدم ويفيد بها مصر الوطن أكثر مليون مرة من تحويله إلى مجرد أداة سياسية تساعد النظام على البقاء.

فى الماضى كان للأزهر تلك القوة التى يمكن من خلالها أن تؤثر على الناس فى أفريقيا وفى شعوب آسيا المسلمة، أما الآن فالأمور قد اختلفت قليلا، ورغم أن 65% من الطلاب الوافدين للأزهر من دول أفريقيا، إلا أن شكل وجودهم وما يتعرضون له من مشاكل وأزمات لا يمكن أن يمنحنا التأثير الذى نريده للأزهر فى دول أفريقيا ودول حوض النيل على وجه التحديد وأبرز هذه المشكلات أن الأزهر لا يمنح للطلاب الأفارقة فرصة كبيرة للدراسة فى كليات أخرى غير الكليات الشرعية والدينية، وعلى الطلاب الذين يريدون ( الهندسة، والطب، والزراعة) أن يخوضوا حربا طويلة مع الروتين والعديد من التعقيدات، رغم أن مصلحة مصر تقتضى غير ذلك، فمن المفروض أن نراعى الاحتياجات التنموية لدول القارة الأفريقية، وأن نراعى أن الطالب المتخرج فى الكليات التطبيقية ربما يكون أكثر إيجابية لمصالحنا من ذلك المتخرج فى الكليات الشرعية، ولعل أبرز مثال على ذلك هو ما يحدث الآن فى أزمة دول حوض النيل، فلو كان الأزهر أتاح للطلاب الأفارقة فرصة دراسة هندسة أوالرى لكان من الممكن أن يمثل قوة داعمة لمصر حينما يعودون إلى بلادهم.

هى أخطاء بالجملة إذن تستدعى من مصر وشعبها أن يثبتوا أنهم بالفعل كبار عبر تقديم اعتذار لهؤلاء الذين نستبرئ منهم، ونتفنن فى إهانتهم، وتعمدنا تجاهلهم فلم نجد من كل ذلك سوى موقفا محرجا نقف فيه الآن شعبا وحكومة وبدلا من أن نسعى لحله بالشكل الصحيح نقف على النقيض تماما.. الدولة تواصل عنادها ولا تريد الاعتراف بأخطائها وتصر على أن خيوط اللعبة مازالت فى يدها رغم أنها تهرول للبحث عن أى خرم إبرة للتعاون مع دول حوض النيل بشكل مخجل، والمواطنون ما زالوا على حالهم لا يشعرون بخطورة الأزمة، وما زالوا فى انتظار ما تجود به الدولة من حلول، وأهل الإعلام والمثقفون انقسموا على طرفين، الأول يهلل للدولة ويسير على خطاها ويوجه الإهانات من تحت لتحت لدول حوض النيل، والطرف الثانى يهلل للأزمة ويتشفى فى الدولة وبس!

بعد هذا كله هل يمكن أن يكون للدبلوماسية النسبية مكانا؟، هل يمكن أن يكون لنجوم بحجم محمو سعد وأبو تريكة ومنى الشاذلى وعمر الشريف دورا فى حل تلك الأزمة؟ دور فى إعادة توطين مصر داخل قارة أفريقيا؟






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة