قصة قصيرة "ألــم خاص" عادل العجيمى

الجمعة، 11 يونيو 2010 07:42 م
قصة قصيرة "ألــم خاص" عادل العجيمى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وقفت أمام الصورة التى غطاها التراب بعدما فرغت لتوى من تنظيف المكان:
- لم يبق إلا هذه الصورة
تناولت السلم المزدوج.. وضعته وتأكدت من تمكنه من الأرض ثم سحبت قطعة القماش وأغرقتها فى الدلو وعصرتها ثم صعدت:
- لا تغضب قد عدت إليك
سنوات وأنا لم أقم بعادتى اليومية حيث أنظر إلى الصورة.. أتأملها ثم أزيل ما علق بها من غبار.. الشوق يدفعنى دوماً.. صعدت إلى أعلى.. وقفت عند نقطة التقاء السلمين ونظرت إلى أعلى فكان السقف الذى لامس شعرى.. خفضت رأسى قليلا وأخذت وضع التنظيف.. أمسكت قطعة القماش بيدى اليمنى.. أسندت الصورة بيدى اليسرى مدركا أن كلام جدتى من الحكم التى يجب اتباعها (اليد الواحدة ما تصفقش) وبدأت أستعيد ذاكرة التنظيف.. كان أفراد العائلة يتأففون من ذلك فلماذا يتعبون أنفسهم فى الصعود والهبوط لإزالة تراب عالق بصورة عتيقة يقف فيها رجل لا يمت لهم بصلة فكانت جدتى تنهرهم وتقول بصوت مخنوق:
- ده أبويا وأخويا وابنى.
كانت نبرة صوتها تدخلهم فتسرب إلى أنفسهم رهبة من ذلك الواقف الشامخ ذى الابتسامة العريضة المتسعة باتساع الكون.. الرهبة تحولت بمرور الأيام إلى احترام تخالطه أمنية نابعة من العمق أن يعود إلى الحياة لأيام ولا يدرون لماذا يعود.. المهم أن يعود ومع ذلك لم يكن أحدهم يجرؤ أن يفعل ما أفعل فقط كانوا يكتفون بالنظر إلى مستمتعين بمهارتى فى الصعود والتنظيف ثم الهبوط فيحمل أحدهم السلم وآخر يحمل الدلو وثالث يقوم بتعديل وضع الحجرة ثم نسرع إلى الجدة التى كانت تكافئنا بابتسامة صادقة تلهب مشاعرنا فنتمنى أن يأتى الصباح لنحصل على تلك المكافأة.

تحركت يدى اليمنى على الزجاج فأزالت الغبار عن أعلى الصورة فلم تظهر ابتسامته.. أصابنى عمى لحظى وشملنى ظلام خانق.. لم تظهر ابتسامته.. بحثت عن ملامحه عندما اخترق شعاع هزيل تلك الظلمة غاب كل شيء خلف الشروخ التى طغت على المشهد بكل تفاصيله.. رأيتها بوضوح.. أصابنى تبلد غريب وواسيت نفسى بأن كل شىء سيعود إلى سابق عهده فى الغد عندما يأتى من يغير الزجاج.

عندما كبرنا وشاخت أمى وتوارت جدتى خلف المشهد كانت أمى تردد دائما أن ما يكسر لا يمكن إصلاحه فكنا نحرص على ألا نكسر شيئا إلا أنها ظلت تردد ذلك المثل خاصة عندما سار كل منا فى طريق ولم تعد تجمعنا إلا مناسبات متباعدة ولقاءات فاترة حيث نفكر فى العودة قبل اللقاء وعندما نلتقى كانت ترتسم على وجوهنا ابتسامات بلهاء لا نعرف لها مصدرا فترمقنا الأم بنظرة وتخفى حسرة فى قلبها فنرى فى عينيها مقولتها التى سرعان ما أرددها.

تركت الزجاج وتحركت يدى باتجاه الإطار فمحوت ما علق به وليتنى ما فعلت.. كانت ثقوب غائرة منتشرة بطوله وعرضه وصدأ قد أتى على المسامير الرفيعة فلم يبق إلا فتات بنى ملأ يدى اليسرى فنفخته ومسحت ما بقى فى ملابسى.. اهتزت أركان الصورة فألقيت بقطعة القماش أرضا وأمسكت بجانبى الصورة أضمها كى لا تسقط.. مر نهار وأتى ليل وأنا معلق فوق السلم قابضا على الصورة بحرص شديد تضاءل مع إحساس بآلام المفاصل الذى أدى إلى رعشة تزايدت حدتها فانتقلت من قدمى إلى باقى جسدى.. إلى ذراعى.. فانفصل كل عضو وصار يشعر بألم خاص.. اهتز السلم.. ترنح.. مالت الصورة.. هوت.. هويت فوق زجاجها فأصبت بجروح فى أماكن متفرقة من جسدى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة