محمد فهيم

حرب حتى فى أكل العيش

الجمعة، 11 يونيو 2010 11:48 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"لم يكفهم ما نحن فيه" عبارة يرددها جميع المصريين عندما يستشعرون الظلم أو القهر أو امتهان الكرامة أو عند السقوط أمام أحد الجبارين الذى هو بالتالى سقط وسيسقط هو الآخر أمام جبار أعتى منه وكأننا جميعنا ينتقم من جميعنا كلُ حسب منصبه ومكانته إلى أن يصل الانتقام إلى الطبقة المعدومة المقهورة المطحونة التى تحيا بلا حياة وترضى بالقليل وتقنع بالفتات وتربى أبناءها على الرضا والقناعة وإن ملذات الدنيا هى عرض زائل، وذلك لأنهم لم يجربوها كما يحياها الكبار وأقصى ما تطوله أحلام يقظتهم هو كيلو لحمة فاسدة أو فرخة ميتة يفرح بها وأولاده ويقيمون احتفال المرق والفتة كما يقيم الكبار حفلاتهم بالملايين من عرق ودم ومال المساكين.

ومع كل ذلك لا يتركونهم فى حالهم ويؤثرون أن يسرقوا أحلامهم البسيطة بل ذهبوا ليدمروها ويحاربونهم فى أكل العيش ولا يكفيهم ما هم فيه فقد رأيت بعينى ما يحدث للبسطاء من انتهاك للكرامة وتدمير للمشاعر ونهب لقوتهم وتحطيم لأبواب أرزاقهم، فها هم الباعة الذين يفترشون الأرض بضاعة لا تغنى ولا تسمن من جوع إلا أنها قد تكفيهم العوز والحاجة والسؤال رأيتهم وهم يجرون ببضاعتهم وهى تنصرم منهم وتسقط على الأرض بعد مطاردة البلدية لهم ومن يسقط على الأرض منهم لا يجد إلا عصيهم فوق جسده وهو لا يفرط فى بضاعته ويحتضنها كأنها أحد أولاده حتى يزيد الضرب ويسقط وتتهاوى معه آخر قدراته فى الحفاظ على مصدر رزقه ليأخذها رجال البلدية إلى حيث لا رجعة ثم يقتسمون الغنائم والله أعلم.

وفى مشهد آخر رأيت كيف يتعامل أفراد الشرطة والمرور والتابعين لمجلس المحافظة مع السائقين "ميكروباص ونقل" يعنى سيارات أكل العيش التى تفتح بيتا واثنين تعاملهم وكأنهم لصوص وليسوا مواطنين شرفاء ويسحبون تراخيصهم وخطوط السير منهم، مما يكلفهم الذل حتى تعود إليهم رخصهم، ورأيت بعينى أحدهم يضرب سائقا بكل ما أوتى من قوة وسطوة وجبروت وكأنه وحده الحاكم بأمره وموزع الأرزاق لمجرد أن تجرأ وطلب رخصته وقال ياباشا أنا رخصتى سليمة فنزلت وحاولت أن أتدخل فنالنى من السباب أوقحه ومن الوعيد أشده وبكى السائق المسكين وكلما نطق قائلا حسبى الله ونعم الوكيل يزيد الضرب ويسيل الدم من وجهه حتى اختفت ملامحه وأحمر ذقنه بعدما كان بلون السواد، وكأن السائق قد أجرم باستغاثته وندائه إلى خالقه وكأن من ينصبون أنفسهم آلهة بالدنيا ينكرون على المساكين استغاثتهم بالإله الخالق.

وتخيلت نفسى مكان أحد هؤلاء المظلومين المقهورين الذين يتنوعون ما بين الشباب والأطفال والرجال وحتى النساء التى قد تكون إحداها أرملة أو مطلقة ولا تجد عائلا من أهل أو حكومة وتسعى على طعامها كى لا ترتكب الحرام أو تمد يدها للسؤال وقلت لنفسى هل لو كنت مكان أحدهم لصبرت على ما يحدث لى؟ أم كنت سأصبح أحد عتاة المجرمين لأسرق حقى بعدما حرمونى من أقل القليل وأطلب رزقى من جيوب الذين جوعونى وأهلى، وأمارس ما مارسوه معى

ولذا أبشر الكبار وكل المجتمع أنه اقترب اليوم الذى يتحول فيه كل هؤلاء إلى عتاة مجرمين ولا ذنب لهم فأنتم والنظام وأركانه الفاسدة الذين دفعتموهم إلى ما سوف يصيرون إليه وأبشركم أن الأمان الذى تحيون والنعيم الذى تهنأون به لن يدوم إلا إذا تركتم الأنانية وحب النفس وكففتم أيديكم عن الفقراء وتركتم لهم الكفاف ولم تسرقوهم فى أرزاقهم وتسمموا لهم أقواتهم.

فلماذا لا تتركون البسطاء يرزقون لماذا لا ترحمونهم، ارفقوا بهم كونوا منهم نافعين ناجحين محبين لكم وللوطن واحذروا مما يملأ القلوب من حقد زرعتموه وكره رويتموه فى أرضكم الخراب وحان وقت جنى الثمار فهلا أفقتم قبل فوات الأوان.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة