أكبر من فتنة وأوسع من خلاف بين هيئتين قضائيتين المحامين والنيابة، تلك الأحداث التى وقعت فى طنطا، وأشعلت فتنة بين المحامين والنيابة، مخيفة، وتكشف إلى أى مدى وصلت الأحوال فى المجتمع ونخبته، وكيف تم تغييب القيم القانونية، لصالح الانحياز القبلى والفئوى. الموضوع أكبر كثيرا من خناقة محام مع وكيل نيابة، أو حكم قاس ومتعجل، لكنه انحراف بالخلافات وتضييع لفرص الحوار بين رجال قانون، وجر الخلافات إلى أركان القبلية والعائلية، والانحياز هنا ليس للقانون ولا لقواعد العدالة الحاكمة، لكنه انحياز أقرب لانحياز مشجعى الكرة بلا عقل أو منطق. وصرف النظر عن الحق لصالح القوة.
وهنا الخطورة فى الخلاف بين المحامين والقضاة والذى تحول إلى ما يشبه مباراة فى كرة القدم، وانقسم مشجعو كل طرف وتحولوا بسرعة إلى "ألتراس" لا هم لهم سوى الانتصار لفريقهم بصرف النظر عن الحقيقة، فى ساحات القضاء يفترض أو يجب أن يكون الحق فوق القوة، حسب مقولة الزعيم سعد زغلول، لكن القوة هنا كانت فوق كل حق، وفى كثير من الأحيان يتم الاحتكام للقوة غير العاقلة.
كان من الممكن أن يتم حصار النيران التى اشتعلت منذ اللحظة الأولى بالاستماع إلى شكوى المحامى من وكيل النيابة، وأيا كان المخطئ فقد كان من الممكن استيعاب الخلاف ومحاسبة المخطئ، لكن واضح أن أيا من الأطراف التى يفترض أن فى يدها الحل، تقاعست عن تقديم المشورة وإعلاء القانون، لصالح القبيلة، كان من الممكن أن يتم التحقيق فى الأمر بعيدا عن أطرافه، ومعروف أن المحامين هم القضاء الواقف، وأحد طرفى العدالة، مثل القضاء الجالس، لكن هذه الحقيقة البسيطة تاهت وسط عدم إدراك بعض أطراف اللعبة القانونية لأبسط قواعدها.
وكما قال المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض، فإنه لا قيام لعمل المحامى بغير المحكمة، والعكس، لكن الأمر أصبح مثل الحرب الأهلية، ونظر للقضية نظرة خاطئة، وتم الاحتكام إلى منطق القوة والهتافات.
عقلية "ألتراس" التى سيطرت جعلت الانحياز للصنف والنوع أكثر من القانون، لو كان هناك من يستمع ربما كان من الممكن استيعاب القضية، وجاءت المرحلة التالية عندما كان من الممكن إجراء تحقيق قضائى بعيدا عن النيابة، لأنه لا يعقل أن يحقق وكيل نيابة فى قضية أحد أطرافها الأساسيين زميله وابن مهنته، وكيل النيابة حقق وأسرع بإحالة القضية والمحامين إلى المحكمة، وكانت الفرصة الأخيرة لاحتواء الأمر، المحكمة كما ذكر المحامون لم تسمح للدفاع بالاطلاع، وحكمت بسرعة بالسجن خمس سنوات، وهو حكم بشهادة كبار المستشارين متعجل وقاس، وقال المحامون إنه أهمل حق الدفاع، ولم يكن هناك وجه للاستعجال.
وأيا كانت النتائج، فالأمر يحتاج إلى عقل وإلى أن يكون الحق فوق الجميع، ونتوقع أن تنتهى القضية فى الاستئناف، لكنها كشفت عن خطر ماثل يهدد المواطن العادى الذى قد يوقعه حظه العاثر فى مثل هذا الخلاف وساعتها سوف تطحنه الانحياز.
لكن الواضح أن القضية أكبر من خلاف عادى، لكنه شحن وسوء فهم وسوء نية، تراكم عبر السنين ليصنع هذا العداء بين طرفى العدالة، لقد أصابت الشروخ مؤسسات كثيرة فى الدولة، بل هى أهم وأخطر مؤسساتها، والأمر يحتاج إلى أكثر من مجرد ترميم للشروخ.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة