شريف حافظ

هل يريدون القضاء على حُـلم الدولة المدنية؟

الخميس، 10 يونيو 2010 08:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدرت فى الأسابيع الأخيرة عدة تصرفات وأمور ومقولات تتحدى فكرة الدولة المدنية. والغريب، أن تلك التصرفات، صدرت ممن كنا نستبعد تماماً تصرفهم ضد الدولة المدنية وثقافتها. ورغم أن القضايا منفصلة فى طبيعتها فإنها متفقة على رفض الدولة المدنية فعلاً أو مضموناً!
فلم يكن متصورًا ممن قالوا على أنفسهم ليبراليون ثم أعلنوا أنهم "إقصائيون" (غير ليبراليون) أن يؤيدوا إسرائيل فى الاعتداء على حق الإنسان فى الحياة وقتله غدراً، إنه أمر ينافى الطبيعة البشرية المتحضرة ومنصوص عليه فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، إن هؤلاء يرون أن "قتل" الجاهل أو الضعيف ولو كان مصريا، حقا مكتسبا، وهو أمر يدل على عنصرية فجة، لا ينكرونها، ولا تمت لأساس الدولة المدنية بصلة تُذكر، لأنها دولة تحض على التعايش بين المختلفين وتطالب بالعلم والقوة والعدل للجميع، إنهم الهتلريون الجدد أو كما عبر عنهم المهندس وائل نوارة، "المحافظون الجدد" لدينا! وقد نتفهم غضب البعض من الفلسطينيين فيما يتعلق بتناولهم لقضيتهم المصيرية، ولكن لا يمكن أن نتفهم تأييد الناس لسفك الدماء ضد أى من كان من البشر، لأن هذا مناقض لكينونة الإنسان! وإلا فإن السؤال: هل نلغى التطور الحضارى ونعود لثقافة العصر الحجرى؟!
لم يكن متصورًا أن تقف الكنيسة ضد حكم المحكمة العليا للقضاء الإدارى المدنى فى حكم قبول الزواج الثانى للأقباط، إن هذا الحكم يتماشى مع المطلب الأساسى لكل إنسان فى تكوين أسرة، ولا أعتقد أن قداسة البابا شنودة يرى أن كل من الباباوات يوأنس التاسع عشر ومكاريوس الثالث ويوساب الثانى وكيرلس السادس، عُصاة، أو أن مُجمل المسيحيين فى مصر من قبل مجيئه على الكرسى الباباوى أخطئوا، لأنهم طبقوا وسكتوا عن السؤال فيما يتعلق بلائحة المجلس الملى لسنة 1938 التى تمنح المسيحيين 9 أسباب للطلاق. أو من طبق قوانين "أولاد العسال" المنصوص عليها سنة 1239 ميلادياً، والمعمول بها منذ ذاك التاريخ حتى 1938، والتى نصت على أسباب كثيرة للطلاق، كان عاصيا!! هل فجأة تم اكتشاف نصوص الإنجيل سنة 1971، ولما سكت البابا شنودة فى عصور من سبقوه فى كرسى الباباوية ولم يُشر عليهم بهذا التغيير؟
إن زيادة "الضغوط" على المواطنين المسيحيين إنما يؤدى إلى انفجار وفتن بين المسيحيين ذاتهم، مما يؤجج حرباً دينية قادمة، ولو باردة! فلمَ كل هذا ولمَ التغيير فى القوانين اليوم؟ هل المقصود بالفعل تحدى الدولة فى حالتها الانتقالية إلى الدولة المدنية؟ وقد يكون المخرج للدولة، التزاماً بالدستور، إقرار قانون الزواج الموحد لغير المسلمين أو إقرار الزواج المدنى بالنص على منع الزواج المختلط بين معتنقى الأديان المختلفة، حتى لا نقع فى مُعضلة أخرى ويكون فيها إرضاء لكل الملل والأديان.
وفى شأن آخر لم يكن متصوراً زيارة الدكتور محمد البرادعى لمقر الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان المسلمين، وهو الذى أعلن عن انتمائه السياسى بدايةً، مؤكداً على ليبراليته، فالرجل بمنتهى الصراحة اليوم، يعمل على تأييد الدينى فوق المدنى، وهو فى ذلك لا يختلف عن فعل الكنيسة المصرية أو عن فعل الإقصاء الذى ينادى به المحافظون الجدد المصريون، فالإخوان لا يؤمنون بحق الأقباط أو المرأة فى الولاية، ويريدون إرجاع البلاد إلى العصر الحجرى، ويتلاعبون بكل شىء، كما ظهر من مواقفهم السياسية التى تضع الوطن فى الدرجات الثانوية تماماً، فما هو التغيير الذى يرمى له الدكتور البرادعى تحديداً، بينما حض على تغيير مواد الدستور التى تخص "اختيار" رئيس الدولة "فقط"، دون الاهتمام بالنصوص التى تناقش "شكل" الدولة! إن تغيير النصوص التى تخص اختيار رئيس الدولة وحدها إنما تُسهل الطريق لاختيار مرشح الإخوان فى أى معركة رئاسية، لتنقلب الدولة إلى دولة دينية فى لحظة!
هناك تخبط واضح فى الخلط بين الكثير من المُعطيات وفكرة الدولة المدنية، وهذا يؤدى إلى الطريق السريع نحو الفوضى الحقيقية! إن كل تلك الأحداث، "تُرغمنا" إرغاماً على تأييد الدولة "البائسة" للحزب الوطنى اليوم، لأنها ليست ببؤس الصورة التى يصورها لنا كل مما سبق الحديث عنهم هنا! إن كل النماذج أعلاه تعمل بمعزل عن بعضها البعض، ولكنها تتلاقى فى نقطة الوصول إلى الدولة الدينية، لأن الإقصائيون، إنما يزيدون من المعارضة للدولة المدنية وإعلاء شأن الدولة الدينية! والكنيسة برفضها حكم المحكمة الإدارية العليا إنما تؤكد على إعلاء شأن الدولة الدينية والاحتكام للمؤسسة الدينية فوق كلمة الدولة! والدكتور البرادعى يغير المعانى الأساسية لليبرالية بعدم الحديث عن الأهم فى أى تعديل دستورى، بل ويتحالف مع الإخوان المسلمين، حيث لم تتنازل قوة ثيوقراطية "حديثة" من قبل عن الحكم طواعية ولا حكمت بالديمقراطية أو حتى بالشورى! إنهم جميعاً ورغم اختلافاتهم فى الانطلاقات، إنما يصلون إلى هدف واحد فى النهاية: هو القضاء على حلم الدولة المدنية والخروج على ثقافتها! فهلا يعيدون النظر من أجل مستقبل أفضل لمصر والمصريين؟
• أستاذ العلوم السياسية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة