◄◄السقا نفسه يكون نضيف ومش عارف.. والنبوى بلطجى وقبضايا بمزاجه
عن الإنسان الذى يصنع قدره، والآخر الذى يتبع قدره ويرغب فى أن يكون أفضل حالاً ولكن القدر لا يمنحه تلك الفرصة، تدور دراما فيلم «الديلر» التى صاغها الدكتور مدحت العدل بحرفية عالية وأبعاد ملحمية تحاكى الدراما اليونانية، عن تلك المجتمعات التى تقسو على أبنائها ولا تترك لهم الخيار أبداً فى أن يعيشوا حياة كريمة، وتبدأ الأحداث فى «شق التعبان» أحد أفقر الأحياء المصرية من خلال بطلينا «يوسف الشيخ» أو أحمد السقا، و«على الحلوانى» أو خالد النبوى.
طفلان فرض عليهما الفقر حياة لم يختاراها وكان عليهما أن يتكيفا ويعيشا ولكن القدر وضع كلا منهما أمام الآخر، ويرغب فى أن يكون الأقوى.
تمهد المشاهد الأولى قبل التترات لذلك الصراع الأبدى الذى ترصده كاميرا «سامح سليم» بخشونة شديدة، وفى إيقاع مونتاجى سريع وبتعليق صوتى من خارج الكادر لـ«يوسف» كأنه يقدم لنا نفسه ويعرفنا بغريمه وعدوه اللدود والذى لا يجمعه سوى العراك معه، ورغبة يوسف فى إثبات نفسه أمام بلطجة على الذى لا يتورع فى ارتكاب أبشع الأعمال لإيذاء يوسف وأبسطها خطف حبيبته سماح التى تجسد شخصيتها مى سليم.
«على الحلوانى» يتلذذ بتلك الحياة، ويستطيع التكيف والتغلب عليها، يتاجر بأى شىء، فهو أقرب إلى الخرتية، حيث يبيع الحشيش للسياح ويلعب القمار ولا شىء يوقفه أبداً، فهو يصنع حياته كما يروق له ويستطيع أن يكيف الظروف لمصلحته، فى قسوة على الآخرين، وألفاظه تدل على شخصيته، حتى أنه يقول لزوجته «أنا لو مكنتش كيفتك مكونتيش بقيتى أم مصطفى»، والعديد من الجمل الحوارية على لسانه ومنها «ما تحورليش بروح أمك» و«ما تعرجش عليا»، فهو بطلجى وطموح ويخطط لحياته.
يوسف الشيخ ابن رجل دين بسيط يؤذن فى «زاوية الحتة»، الفقر والعجز جعلا أباه يكتفى بدينه، أملا فى أن يجد الحياة الإنسانية فى الآخرة وكل أمله أن ينصلح حال يوسف، لكن يوسف يحلم بالهرب من الفقر والبلد الذى أصبح يأكل أبناءه، وبالطبع يحمل اسم يوسف إسقاطاً واضحاً، فيوسف الذى لا يستطيع الفكاك من مصيره ويهرب، يفقد أبوه بصره بسبب البكاء عليه مشهد الوداع بين يوسف وأبيه الذى جسد دوره صبرى عبدالمنعم من المشاهد المميزة للاثنين - وإذا كان «على» لا تفرق معه «الوساخة» على حد تعبيره، فإن يوسف يحاول الخلاص، ولكن لا يجد مخرجاً فكل شىء حوله يدفعه لعالم الإجرام. سماح التى تجد نفسها حاملا من «على» بعد زواج عرفى، وتضطر إلى أن تساعده على الهرب معها ضمن فرقة الفنون الشعبية فى إحدى رحلاتها إلى أوكرانيا، وترضخ أيضاً ليوسف بحكم المشاعر القديمة بينهما، وأنهما أبناء نفس الحتة.
من أجمل مشاهد الفيلم عندما يذهب يوسف إلى منزل سماح ويشاهده على، ويمسك سماح من شعرها، مشهد ملىء بالمشاعر التى يكنها كل منهما للآخر، تمثيل شديد الاحترافية من السقا الذى يرغب فى الفرار من هذا العالم، ومن الفقر والعجز حتى لو كان عن طريق عدوه اللدود، وبوساطة الحبيبة التى باعته، وأداء محسوب بدقة وبراعة من خالد النبوى الذى لا يعنيه سوى مصلحته، حتى لو جاءته من ألد أعدائه، وجمل حوار مكثفة وخشنة نابعة من تلك الشخصيات وواقعها الحياتى الشديد المرارة، ولا يتردد «على» أن يلقى بيوسف فى السجن قبل سفره، «كآخر قلم يعطيه له».
شخصيات الديلر واضحة، والدراما تسير وفق منطق، وهناك أحداث يتم تضفيرها دون شرح أو معلومات مكررة، حيث لم يهتم المخرج برصد جميع تفاصيل تطور رحلة النبوى فى أوكرانيا باستطراد، بل جاءت مشاهد مكثفة ومحكمة، فالنبوى يسافر لأوكرانيا، ويهرب ومعه مى سليم التى يجبرها على العمل كراقصة فى الملاهى الليلية، ويبدأ دخول عالم المافيا بذكائه الفطرى.
وبالتوازى يخرج يوسف من السجن، ويبحث عن فرصة هجرة غير شرعية عن طريق تاجر ملابس صديقه يجسد دوره سامى العدل، ويصعد هو الآخر فى طريقه بعد صدمات ويدخل مافيا المخدرات عن طريق «فرحات الكردى» أو نضال الشافعى، الذى تتأكد موهبته يوماً بعد يوم. وفى إيقاع شديد التكثيف ينتظر المشاهد اللقاء الأخير بين على ويوسف ولن أحرقه لأنه من أجمل مشاهد الفيلم اخراجيا وأدائيا وأضفى التصوير الخارجى بعداً جمالياً للفيلم. «الديلر» فيلم يحترم المشاهد، ويضم عناصر فنيه شديدة التميز، ديكور، وتصوير، وموسيقى معبرة بسيطة، تأخذ من روح الفيلم بدون ضجة، ومباراة تمثيلية بين السقا والنبوى أدارها المخرج بحرفية، واستطاع إخراج أفضل ما فى أبطال العمل، حيث شاهدنا منه فضالى فى دور شقيقة السقا وهو دور صغير لكنها أجادته بحرفية شديدة.
لمعلوماتك...
◄ 25 مليون جنيه ميزانية الفيلم