يعد الدستور الصادر بتاريخ 23 يونيه 1956 بموجب الاستفتاء الشعبى الذى أجرى فى ذلك اليوم هو أول دستور لجمهورية مصر، حيث صدر فى أعقابه قرار إلغاء النظام الملكى فى 18 يونيه 1958. فى أعقاب هذا التاريخ جاء دستور الوحدة فى مارس عام 1958، ثم الدستور المؤقت فى 25 مارس عام 1964، والذى حل محل دستور الجمهورية العربية المتحدة وظل العمل به حتى صدر دستور1971 فى 11سبتمبر من ذات العام، والذى يعد الدستور الثابت للبلاد منذ هذا الحين بغض النظر عن ما أدخل عليه من تعديلات فى1980، وتعديل المادة 76 فى 2005، نهاية بتعديل 34 مادة من مواده فى 26 مارس 2007.
ورغم مجمل ما حفل به الدستور من تطورات وتعديلات على مر المراحل التاريخية المختلفة، إلا أن ذلك لم يخف حقيقة أزمة "الهوية" التى ظل يواجهها النظام السياسى المصرى، حيث لم تعبر نصوصه يوماً عن واقع الحياة السياسية المصرية، وخاصة خلال القترة من 1971 وحتى الآن، كذا لم تراعِ أى من مواده رسم ملامح لهذا النظام أو تحديد تصنيف واضح ومحدد له، بل حل بديلاً لها الكثير من التعميمات البلاغية السياسية.. فقد نصت المادة 4 على سبيل المثال إنه: "يقوم الاقتصاد فى جمهورية مصر العربية على تنمية النشاط الاقتصادى والعدالة الاجتماعية وكفالة الأشكال المختلفة للملكية، والحفاظ على حقوق العمال"!، أيضا المادة 5: يقوم النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب.."، المادة8: تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين!!.. وكأن هذه النصوص قد وضعت لتظل حبرا على ورق فقط.
كذا فإنه يأتى ومن الملفت للنظر أيضا هو انتقائية الكثير من أحاديث "إصلاح" الوطنى، التى دائما ما شملت الحديث عن الديناميات السياسية كالنظام الانتخابى والأحزاب، ذلك دون الاقتراب من الأسس السياسية بمعنى بيئة النظام أو العوامل التى تشكله وتحدد حركته مثل: النظام الاقتصادى والتركيب الاجتماعى والإطار الثقافى، كذلك دون تناول عملية صنع القرار بما يشملها من دراسة للشكل الدستورى والأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومدى كفاءتها فى أداء وظائفها.
بل وإذا ما حاولنا إيجاد تصنيف لهذا النظام يتلاءم مع واقعنا السياسى الآن، فسيتضح لنا أن النظام السياسى المصرى هو نظام أرستقراطى من حيث المشاركين فى الحكم.. كارزمى من حيث مصدر الشرعية.. عبودى اقتصاديا. فهو نظام يطبق "الديمقراطية الوصائية"..غير تنافسى من حيث درجة التنافس السياسى. وهو الأمر الذى بات يفرض على القيادة السياسية ضرورة فتح الباب أمام تغيير حقيقى بداية من هيكل النظام، والذى يعد الدستورعموده الفقرى مرورا بمؤسسات النظام، نهاية بالإطار المجتمعى له والبيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التى يعبرعنها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة