لأن تصبح فلسفة الغالبية العظمى من أبناء بلدى هى الحصول على أكبر كمية ممكنة من المال بأى وسيلة ممكنة، وفى أقل وقت ممكن، فتلك هى الطامة الكبرى، فهذه الفلسفة السائدة، لشديد الأسف، تختزل دور العلم ليحل محله دور الفهلوة وليحل دور البلطجة والسرقة والنهب بديلا لدور العمل.
والعمل الجاد والمنظم والمستمر يُعد ويعتبر من أهم وأعظم القيم التى قامت عليها الشعوب وتطورت بها الحضارات، والدول والشعوب المتقدمة هى تلك التى عرفت وفهمت وقدرت قيمة العمل، فهبت من سباتها، ونفضت عنها غبار الكسل والقمع وتزوير الانتخابات، وسلكت درب العمل، وعلمت أن العلم والأخذ بأسبابه هو السبيل الوحيد للتقدم والرقى وقيادة الآخر، فجعلت العلم والعلماء فى المقدمة وسار من خلفهم بقية الشعوب فتقدموا وتطورا وقادوا، فلا مكان للكسالى والمتكاسلين فى هذه الشعوب، بل الحياة الكريمة والمزدهرة هى لهؤلاء الذين اجتهدوا فى حياتهم وأخلصوا لأعمالهم ووصلوا الليل والنهار فى عمل جاد ومنظم ومستمر.
وقيمة المرء الحقيقية لا تقدر بما يملك من مال ومتاع أو بما ورثه عن أبيه أو أمه، ولكن بما عمله وبما أنتجه وبما صنعت يداه ليضيف قيمة حقيقية لنفسه ولأولاده ولأسرته ولمجتمعه.
ولنا القدوة فى رسل الله، عليهم الصلاة والسلام أجمعين، فقد كانوا يمتهنون مهنا مختلفة للحصول على رزقهم من كد ايديهم, فآدم – عليه السلام - عمل بالزراعة, وداود – عليه السلام – عمل بالحدادة, وعيسى – عليه السلام - عمل بالصباغة, ومحمد – صلى الله عليه وسلم - عمل برعى الغنم والتجارة,وكل الشرائع السماوية تحث على العمل وعلى الاتقان فى العمل, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أكل أحد من عمل قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وأن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) فهذا يعنى أن للعمل قيمة عالية فى الإسلام لأنه سبب لاستمرار وجود الإنسان فى هذا الكون واعماره، فالله عز وجل خلق الإنسان وكلفه بعدة أعمال لينفع بها نفسه أولا ثم مجتمعه وليس هذا فحسب بل لينتفع بها فى آخرته أيضا، وأفضل دلالة على ذلك قوله تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ).
واننا فى مصر لنا تقوم لنا قائمة ولن نبرح موقعنا الذى نقبع فيه الآن - وهو لا يخفى على أحد حيث أننا نتذيل الامم – الا بالعمل الجاد والمخلص من أجلنا ومن اجل اولادنا واحفادنا, فنحن فى حاجة جادة وماسة الى ثورة فكرية وعلمية وعملية لنسف الافكار القديمة والعتيقة والتخطيط لوضع اصول للدولة العصرية الحديثة التى تقوم على اسس صلبة ومتينة, دولة دعائمها هى العلم والعمل والإيمان, وروافدها من الصدق والجد والمثابرة والإخلاص فى القول والعمل, والطريق للتقدم واضح وجلي, ولنا فى الأمم التى سبقتنا القدوة والمثل فهناك العديد من النماذج التى يمكن أن نحذوا حذوها ونقتفى أثرها مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية هذا البلد الذى عملت به كأستاذ زائر بإحدى جامعاتها لمدة عامين ولى فيها ذكريات رائعة, وهذه الأقطار لا يوجد بها أى موارد طبيعية ولكن يوجد فيها من أبنائها من أحبوها وأخلصوا لها وأحسنوا أدارتها فكان لهم ما أرادوا, وأنا على يقين بأننا قد نصل إلى ما وصلوا إليه, ولكن فقط حال صدق التوجه والإخلاص فى العمل وحسن الإدارة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة