كثيرون تناولوا بالتحليل والتدقيق خطاب الرئيس مبارك فى عيد العمال، وبعيداً عن هؤلاء الذين يطبلون ويزمرون بعد كل كلمة للرئيس، أريد أن أقول إنها كانت بالفعل كلمة مهمة وتستلزم الدرس والتحليل خاصة من القوى المطالبة بالتغيير، فالخطاب مهم ليس فقط فيما احتواه من رسائل ظاهرة وأخرى مبطنة، ولكنه مهمٌ كذلك فى توقيته، الذى جاء بعد تعافيه من الوعكة الصحية التى ألمت به فى الآونة الأخيرة، فى ظل تنامى الحركات الاحتجاجية والوقفات المطلبية لكثير من فئات الشعب العاملة، وتصاعد وتيرة المظاهرات التى تقوم بها فصائل المعارضة المطالبة بالتغيير.
ولقد رصدت العديد من الصحف والمجلات المحلية والأجنبية أكثر من رسالة من حديث الرئيس وكان من بين هذه الرسائل التى لفتت المعلقين أكثر من غيرها، أن الرئيس بدا وكأنه يرسل تحذيرات صارمة إلى المعارضة.
ومن الرسائل المبطنة التى يمكن أن يستشفها البعض من كلمة الرئيس أنه حاول أن يغلق الحديث مؤقتاً عن انتقال السلطة، الأمر الذى أثار جدلاً واسعاً بعد دخوله مستشفى هايدلبرج فى ألمانيا قبل حوالى شهرين، وبدا الرئيس فى خطابه أشد عزما وقال صراحة أمام الجميع «سأكون معكم دائماً»، ما يفهم منه أنه على استعداد للترشيح مرة أخرى لمدة رئاسية سادسة فى العام 2011.وتظهر هذه التحذيرات الصارمة التى أطلقها الرئيس باتجاه المعارضة أن النظام لا يخشى فقط من فتح باب الجدل على مصراعيه حول انتقال السلطة فى مصر، ولكن الخشية الكبيرة تأتى من التخوف من إمكانية تلاقى الحركات المطلبية التى تتطلع إلى تحسين مستوى المعيشة ورفع الأجور لتتناسب مع تحريك الأسعار وغلائها المتزايد مع الحركات التى تطالب بالتغيير، هذا التلاقى الذى يهدد بفوضى يحذر منها الرئيس، ويتحسب من أن ينزلق البعض بهذا التفاعل إلى انفلات يعرض مصر وأبناءها لمخاطر ما أسماه بالانتكاس.
ذهب البعض إلى أن خطاب الرئيس يضع الخطوط الخاصة بالمواجهة المستقبلية مع المعارضة بجميع أشكالها حيث حذر بشكل واضح بأن الدولة تساوى بين الاحتجاجات العامة والفوضى، وهى إشارة بأن قانون الطوارئ سيظل تشريعاً قائماً لمواجهة محتملة مع المعارضة.
وكان من أهم فقرات الخطاب التى لفتت نظرى بشدة تلك الفقرة التى وجه فيها الرئيس الحديث إلى من قال فيهم إنهم (يرفعون الشعارات ويكتفون بالمزايدة)، وحذرهم من أن هذه الشعارات لا تكفى لكسب ثقة الناس، وأن على هؤلاء أن يجتهدوا لإقناع الشعب، برؤى واضحة تطرح الحلول لمشكلاتنا، وأن عليهم أن يجيبوا على تساؤلات البسطاء من الناس، ماذا لديهم ليقدموه لهم؟، ما هى سياساتهم لجذب الاستثمار وإتاحة فرص العمل؟، ما هى برامجهم لرفع مستوى معيشة محدودى الدخل منا؟، وكيف يرون التعامل مع مخاطر الإرهاب على بلدنا وشعبنا؟، وما هى مواقفهم من قضايا سياستنا الخارجية فى منطقتنا، والعالم من حولنا ؟.
كانت هذه هى أسئلة الرئيس إلى معارضيه، فهل يمكن أن نتوقع إجابة المعارضين عليها، أم أنهم سيكتفون بطرح الأسئلة بدورهم على الرئيس، أسئلة من نوعية: من المسئول عن المشكلات التى يعانى منها الناس البسطاء؟ هل هى المعارضة والمطالبين بالتغيير، أم هم الذين تولوا الحكم قبل ثلاثين عاما؟، وألا تكفى ثلاثون عاما لكى ينفذ فيها أى حزب برنامجه، فماذا نفذ الحزب الحاكم، وماذا قدم لرفع مستوى معيشة محدودى الدخل؟، وما هى الحال التى أوصلتنا إليه السياسات التى كانت قائمة منذ ثلاثين سنة غير زيادة فقر الفقراء وزيادة غنى الأغنياء وزيادة معدلات الفساد إلى أن يقول واحد من أعمدة النظام أنه وصل إلى الركب؟
ولا شك أن أسئلة المعارضة لن تفوتن الفرصة لكى تسأل الرئيس: لماذا يرفض الحزب الحاكم تعديل المادة التى تجعل الرئيس مؤبداً فى الحكم ؟، ولماذا يقف ضد أن تعطى الفرصة المتكافئة للأحزاب والمستقلين فى الترشيح فى الانتخابات التشريعية والرئاسية؟ وسؤال هام جداً أتصور أن المعارضة ستطرحه على الرئيس، السؤال يتعلق بالكيفية التى يمكن أن يحدث بها انتقال آمن للسلطة، وما هو حقيقة موقفه من مشروع التوريث الذى طال الكلام فيه، ولماذا لا يحسم الأمر بتصريح واضح لا لبس فيه بأن أحداً من عائلته لن يتولى السلطة بعده، يقولها كما قالها من قبل الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين أشار بعض الصحابة عليه أن يولى ابنه الخلافة من بعده، ولكنه رفض قائلاً: يكفى آل الخطاب أن يسأل واحد منهم عن الأمة يوم القيامة.
فهل تسأل المعارضة الرئيس أم تكتفى بالصمت، وتبقى أسئلة الرئيس بدون إجابة، هذا ما سنعرفه فى الأيام القليلة القادمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة