لا يعرف الإنسان قيمة الشىء إلا عندما يفقده.
إنها حقيقة مع الأعزاء الذين نفقدهم والذين ينورون حياتنا بتعاملاتهم وكلماتهم ومشاعرهم.
ومن هؤلاء الأعزاء لدى الكاتب الكبير محمود السعدنى الذى اعتبره أستاذى الذى تعلمت منه الكتابة.
محمود السعدنى الذى كان يكتب ببساطة ويتحدث ببساطة ويجعلك تسبح فى أوراق كتبه وأنت تشعر بالمتعة والمعرفة.
محمود السعدنى الذى كتب للبسطاء من الناس فقد كان معبرا بقلمه عن أهل البلد من الطبقة الدنيا يحكى لنا التاريخ من الحوارى والمدن بأسلوب شيق سلس يجعلك مهتما بكل أعماله.
محمود السعدنى الذى يقدم لك الابتسامة فى أعماله ويسرد لك الواقع بلغة ابن البلد رحل عن عالمنا بعد صراع طويل مع المرض عن عمر يناهز الثلاثة و الثمانين.
لقد صدق الكتاب والنقاد عندما وصفوه بأنه جحا المصرى على مسرح الحياة فهو حالة فريدة فى أعماله التى يعبر فيها عن الناس الموجودين بالمقاهى وعلى المصاطب بالقرى بكلمات بديعة سهلة تذهب إلى القلب ويرتاح لها العقل.
ولم يكن كاتبا فقط بل كان مقدما بارعا فى برنامجه الشهير "على القهوة" بالتليفزيون المصرى.
من لا يعرف محمود السعدنى فلن يستطيع التخلى عن صداقته عبر قراءة كتبه التى غاص فيها مع فهلوة ابن البلد المصرى ودخل فى حياة الصياع والضائعين والمحتالين والنصابين والحرفيين والمعدمين.
مع محمود السعدنى تستطيع أن تسافر لأى مكان فكتاب مثل "بلاد تشيل وبلاد تحط" يحكى فيه عن أمريكا واليابان والبرتغال وهونج كونج وغيرها من الدول التى تشعر بوجودك معه فى زيارتها بكلمات قريبة منك سهلة فى القراءة والمسمع بعيدا عن أى صعوبة.
وكتبه الرائعة هى كنز بالنسبة لى عندما قرأتها مثل: (الموكوس فى بلاد الفلوس) و(أمريكا يا ويكا) و(وداعا للطواجن) وغيرها من الأعمال الأدبية البديعة وأيضا رواياته مثل القضية وأيضا مذكراته التى تشرح لك تاريخ الصحافة المصرية خلال الحقبة الملكية والجمهورية ويجعلك تعرف خبايا بلاط صاحبة الجلالة والتى كتبها فى أجزاء ثلاثة بعنوان (مذكرات الولد الشقى).
الولد الشقى صنع مجد العديد من الصحف والمجلات مثل روزاليوسف وصباح الخير.
كان ساخرا ومؤرخا ويظهر ذلك فى عمله الرائع "مصر من تانى" هذا الكتاب الذى أدعوك عزيزى لقراءته وأنت معه كسبان كسبان.
فكتاب "مصر من تانى" يحكى لك تاريخ مصر المحروسة ولكن ليست بوجهة نظر المؤرخين الذين يرون الحكان على حق وأن الشعب فى غاية الوقاحة والإجرام.
فهذا الكتاب يجعلك تعرف الماضى الحقيقى لمصر مع الحرافيش من العمال والفلاحين.. هذا الكتاب الذى يقول فى مقدمته:
"سنبدأ على بركة الله وأرجو أن ننتهى على بركة الله أيضا، ونسأل المولى العزيز التوفيق للوصول إلى الحقيقة والكشف عن المستور وأن نكون عند حسن الظن وعلى مستوى العمل الكبير ونطلب من الله أن يبعدنا عن أيدى العسس وأن يخفينا عن أعين البصاصين وأن يحيينا صياعا ويميتنا صياعا ويحشرنا يوم القيامة فى زمرة الذين هم على باب الكريم.
طوبى للصياع.. وطوبى للمتشردين.. وطوبة للبصاصين والمخبرين"
هكذا جاءت مقدمته فى كتاب "مصر من تانى" ومهما قلت فإن الكلمات تعجز عن وصف الراحل أستاذى محمود السعدنى الذى غاب بجسده عن عالمنا لكن روحه فى أعماله وكتبه تبقى معنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة