أكد الرئيس مبارك فى كلمته التى ألقاها على الشعب المصرى فى الذكرى الثامنة والعشرين لتحرير سيناء على دعمه الكامل للمواطن فى حرية الرأى والتعبير وحق مباشرته للحقوق السياسية، كما أكد على ضرورة التعددية الحزبية، التى تعد مؤشرا حقيقيا ومهما للممارسة الديمقراطية بالدولة.
لاشك أن دعوة الرئيس مبارك لأحزاب المعارضة إلى المشاركة الإيجابية فى الانتخابات التشريعية التى سيتم انعقادها فى العام الحالى، وكذلك للانتخابات الرئاسية التى ستنعقد فى العام المقبل، تعكس حرصه الشديد على دعم هذه الأحزاب لضمان استمرارية الحراك السياسى على الساحة المصرية الذى دعا إليه سنة 2005 م.
ومن الملاحظ أن الفترة الماضية شهدت تباينا تاما فى المشهد السياسى بين قوى الأحزاب المعارضة وبين قيادات الحزب الوطنى، وقد اهتمت الأخيرة بإعادة هيكلة الحزب وتجديد دمائه وأفكاره وحرصت على أن يكون جل أعضائه من الشباب، فأوجدت بذلك نسيجا وطنيا جديدا يدعم الحرس القديم للدفاع عن كيان الحزب أمام التيارات السياسية المعارضة0
غير أن عيوب القيادات الحزبية فى مصر أكثر من مزاياها، وذلك لأن مضمون أفكارها لا يحقق مطالب الشعب ولا يلبى له احتياجاته الحقيقية بقدر ما يحقق لها مآربها الشخصية، ويلبى لها مكاسبها المادية والأدبية ووجاهتها الاجتماعية والإعلامية تحت المظلة الحزبية.
والدليل على ذلك موجة التداعيات التى أصابت أحزاب المعارضة قاطبة فى صراع قادتها على اعتلاء المناصب الحزبية إلى جانب صراع المصالح الخفى والمنظم داخل أروقة الحزب الوطنى، فأمسى خلاف الأعضاء محل الوفاق وحلت التصريحات محل تفعيل القرارات.
ولم تسلم الحركات السياسية الناشئة من هذا الصراع المحموم وحاولت أن تجد لنفسها مكانة فى المشهد السياسى، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، ذات الصبغة الدينية، بما لها من تأثير عقائدى على الشارع المصرى، وإن كانت فى الغالب لا تتأثر بهمومه ومشاكله، إلا أن صراع الولاية على قيادة الجماعة قد أحدث تصدعا بين أعضائها وأظهر الناس على معظم أهداف الجماعة ومختطاتها الخفية.
ولكن هناك بالقطع حركات لا تزال تحتفظ بأهدافها وتسعى من أجل تحقيقها مثل حركة كفاية التى حركت المياه الراكدة بتمسكها بحق التظاهر وجعلته حقا مكفولا للمواطنين، وعلى غرارها تنامت حركات أخرى فى الحقل السياسى، مثل حركة 6 أبريل، التى ولدت من رحم أحداث الشغب المؤسفة بالمحلة الكبرى عام 2008، كما أثارت جدلا سياسيا وأمنيا فى 6 أبريل المنصرم لعدم امتثالها لقرارات الأمن وإصرارها على التظاهر بميدان التحرير وما تبعه من لغط سياسى وصل إلى حد المطالبة من أحد النواب بإطلاق النار على شباب الحركة، وهذا ما استنكره بالقطع الرئيس مبارك فى كلمة وجهها للشعب وشجبه أيضا بيان الأمين العام للحزب الوطن ونوابه تحت قبة البرلمان.
وقد حدثت هذه المتغيرات إثر عودة الدكتور محمد البرداعى إلى موطنة مصر، قادما من أوربا متدثرا فى عباءة الترشيح للمنصب الرئاسى، ومطالبا القيادة السياسية بتعديل الدستور وحق تداول السلطة ونشر الديمقراطية وجودة التعليم وغيرها من المطالب التى تبدو عادلة، غير أن الدكتور البرادعى قد جانبه الصواب حين لوّح باستنفار الشعب للعصيان المدنى إذا لم تحقق له الحكومة ذات المطالب.
وفى النهاية فإن الدكتور البرادعى لم يشأ أن يحقق من مطالبه شيئا بعد أن تبين له أنه يقف على مسافة سحيقة من المنصب الرئاسى يتضاءل معها الأمل وتتلاشى عندها الأحلام، وذلك لعلمه مؤخرا بأن تغيير الدستور لا يتم إلا بموافقة رئيس الجمهورية وثلث أعضاء مجلس الشعب.
والواقع أننا إذا أحصينا عدد الأحزاب السياسية فى مصر عن الفترة الحالية لوجدنا أن عددها يبلغ قرابة 24 حزبا منها 23 حزبا ينافسون الحزب الوطنى الذى تحمل على عاتقه المسئولية كاملة فى حين أن باقى الأحزاب تكتفى بدورها الشرفى فى الحياة السياسية أمام الشعب.
والعجيب أننا لو سألنا قادة الأحزاب عن دورهم فى اللعبة السياسية بالقياس إلى دور الحزب الوطنى، الذى يغرد بمفرده على الساحة خارج أسرابهم، فإننا قد لا نسمع منهم إلا ردا واحدا، وهو أن الحزب الوطنى يملك الحكومة التى تملك كل شىء، وهذا الرد بطبيعة الحال يعبر عن حالة الأحزاب المحبطة أو المفرغة من المضمون الذى لا يمنحك الأمل فى المستقبل.
وليس معنى ذلك أن أحزاب المعارضة لا قيمة لوجودها فهى على أقل تقدير تنافس الحزب الوطنى حتى وإن كان ذلك من الناحية الشكلية، كما تمثل عاملا للضغط عليه وتراها على صواب فى بعض الأمور وتتمتع بقدرة هائلة تمكنها فى بعض الأحيان من أن تميط اللثام عن كثير من أخطائه وخباياه، وذلك عبر حكومته أو نوابه، خاصة وأن هناك بعض النواب قد تجاوزا كل الخطوط الحمراء أمام القانون دون حسيب أو رقيب0
فكانت استجوابات المعارضة تمثل لهم المعول الذى قوض إمبراطوريتهم، وأتى على عروشها تحت قبة البرلمان، فلم نعد نسمع عن أكياس دم فاسدة أو عن عبّارة غارقة، والحقيقة تقال إن قيادة الحزب الوطنى لم تنتظر على المارقين طويلا، ولم تسمح المساس بمبادئ الحزب ويحسب لها أنها نأت بنفسها عن كل مخطئ وتركته ينال عقابه، ولم تقف عند هذا الحد فحسب بل قررت أن تعيد تنقية كوادرها الحزبية وتستبعد اللذين سال لعابهما على المال العام، ولا يزالون يرتزقون باسم الحزب وتحت مظلته الوطنية0
صحيح أن الحكومة تمثل الحزب الوطنى وتستحوذ على كل الخدمات وتستطيع أن تنفذ لنوابه كل طلباتهم ولكن ليس هذا يعنى أن تقف أحزاب المعارضة على كثرتها عاجزة حيال ذلك، بل يجب أن يكون لها برامجها الانتخابية الجادة ودورها الفاعل لتقنع الشعب من خلاله بأحقيتها فى تمثيله أمام الهيئات البرلمانية للمطالبة بحقوقه بعيدا عن الخنوع والخضوع للمصالح الزائفة ولكن من الصعب أن يتحقق لها ذلك إذا بقيت قابعة على حالها فى أعماق قمقمها لا تحرك ساكنا.
رمضان محمود عبد الوهاب يكتب:التنافس الحزبى بين الوطنى والمعارضة
السبت، 08 مايو 2010 03:34 م