علماء الاجتماع: الجهل بالدين وتضليل الفضائيات وراء ظهور "مهووسى" المهدى المنتظر

الجمعة، 07 مايو 2010 08:54 ص
علماء الاجتماع: الجهل بالدين وتضليل الفضائيات وراء ظهور "مهووسى" المهدى المنتظر محمد عبد التواب الذى يدعى أنه المهدى المنتظر
تحقيق منال العيسوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحديث للوهلة الأولى عن إعلان محمد عبد التواب أحد أبناء محافظة الفيوم أنه المهدى المنتظر، يبدو هزلاً، لكن تكرار هذه الحالات على فترات تبدو متقاربة فى أكثر من مكان سواء فى مصر أو الوطن العربى، جعل اليوم السابع يضعها على طاولة الطب النفسى والاجتماعى الدينى لمعرفة الأسباب الحقيقية التى تجعل شخصا ما يصنع لنفسه عالم آخر ويقتنع به ويصدقه، ومعرفة حجم القبول الشعبى لهذا الشخص وتحليله بشكل علمى.

فى البداية أكد الدكتور محمد صلاح أستاذ علم الاجتماع الدينى بكلية آداب جامعة القاهرة، أن هذه الحالات هى انعكاس للوثة عقلية، ولوثة مجتمعية وفوضى، قائلا: " يصاب البعض بلوثة عقلية نتيجة اضطلاعه على كتب مجهولة المصدر، وتأثير الفضائيات عليهم ، محاولين تطبيق الصورة الشعبية للمهدى المنتظر على أنفسهم".

وتعقيبا على قول محمد واستشهاده بالداعية محمود المصرى حينما وصف فى خطبته حول علامات الساعة صفات المهدى المنتظر، وقال "إن هذه الصفات تتفق معه، حيث إنه واسع الجبهة وأسود العينين ولا طويل ولا قصير وأنفه حاد وطويل وما بين الثلاثين والأربعين من عمره وأن اسمه محمد عبد الله وعبد التواب مثل عبد الله"، قال الدكتور صلاح إن مواصفات المهدى المنتظر لم تنطبق على محمد وحده وإنما تنطبق على 50 مليون واحد غيره.

ويؤكد الدكتور صلاح أن هذا يرجع إلى الإحساس بالاغتراب والظلم الشديد، وتغيير نظرته للمجتمع وأنه لا يشعر أنه مواطن له كيان به، فيخلق لنفسه حالة من حالات العزلة ويشعر بابتعاد المسافة بينه وبين المجتمع، وهذا الشخص ممكن أن يلجأ إلى الاكتئاب أو العنف أو التخريب.

ويركز الدكتور صلاح حول ما سماه بـ "الفوضويات" وهو مصطلح أطلقه على الفضائيات وتأثيرها على البسطاء، وإحداثها للفوضى الدينية الشديدة مابين الحرام والحلال وهو بالتأكيد ما يصيب المجتمع بحالة من الخلل مع وجود أمية دينية، فهناك أكثر من ثلاثة آلاف مهدى منتظر فى مستشفى الأمراض العقلية.

كما أضاف الدكتور صلاح أن تكرار هذه الحالات يرجع إلى الظروف المجتمعية، وبطلنا اليوم المهدى المنتظر من محافظة الفيوم والتى تعد من أفقر محافظات مصر، وأكثرها طردا لسكانها، ومحمد الحاصل على دبلوم التجارة لم يتسلح بشيء يواجه به حياته فى ظل وجود البطالة ولا يملك من العلم أو الدين ما يجعله يواجه هذه الضغوط.

كان هذا رأى الطب الاجتماعى الدينى فى حالات المهدى المنتظر، ولا يبتعد كثرا رأى الطب النفسى، إذ قال الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسى بقصر العينى جامعة القاهرة، إن هذه الحالات التى تدعى أنها المهدى المنتظر لها تفسير طبى نفسى، يكون أصحابها "عايشين" فى عالم ثانى منفصل، يسمى مرض الانفصال عن الواقع.

وعن المرضى العقليين المصابين بهذا المرض يحدد الدكتور عبد العظيم أعراض المرض قائلا: يحدث للمريض فيه نوع من اللخبطة أو الضلالات، وهى فى لغة الطب النفسى تمثل الفصام العقلى ، ثم يصاب المريض بضلالات وحالات هوس بالتناوب مع حالات الاكتئاب وهى ما نسميها فى الطب"الثنائى القطبية"، ولا يعنى أن صاحبها حين يتحدث بوعى وتركيز أنه لا يكون مريضا عقليا، وإنما هو تأكيد للمرض فوعيه يؤكد أنه لا يملك البصيرة فى ربط ما يقوله بشىء واقعى، ويستطيع أيضا أن ينسج منظومة ضلالية كما حدث مع محمد، وقال إن عمه هو المسيخ الدجال.

الضلالات المرضية تأخذ صيغة المحتوى الثقافى للمجتمع وتختلف بين الشرق والغرب، حيث أشار دكتور عبد العظيم أنه فى الشرق دائما يأخذ المرض الصيغة الدينية حتى فى الوساوس البسيطة نجدها مملوءة بالأفكار الدينية كالمهدى المنتظر، ووجود الله، والملائكة، ونحن لدينا المحتوى الدينى عالى جدا، أما الدول الأوروبية فتكون الضلالات مرتبطة بالتكنولوجيا والأقمار الصناعية والإشعاعات والفضائيين.

ويرجح الدكتور عبد العظيم أنه بالبحث فى تاريخ عائلة محمد عبد التواب سيكون هناك احتمالية أن نجد بعض أقاربه لديهم نفس المرض، وأن محمد كان عنده استعداد وراثى كامل، وأن هذا النوع من المرض غير مرتبط بسن معين وإنما يظهر بشكل مفاجئ يرتبط بالاستعداد الوراثى.

وفى النهاية اتفق كل من الدكتور سعيد عبد العظيم ، والدكتور محمد صلاح على الخطورة فى حجم القبول الشعبى لهؤلاء الأشخاص، فقال الدكتور عبد العظيم حين علم أن أفراد أسرته بالكامل يصدقونه أن أعراض المرض العقلى معدية ومن حوله يتأثرون به، ففى كثير من الحالات لاتستطيع التفرقة بين المريض الحقيقى والشخص المتأثر به لأنه يردد ما يقوله ويفعل ما يفعله.

أما الدكتور صلاح فقال إن حجم القبول الشعبى يختلف باختلاف حيثية الشخص المريض، فلو كان رجلا غنيا وله نفوذ فكل من حوله يسعى لعلاجه، أما فى حالة محمد فبالتأكيد أنهم صدقوه وتأثروا به فهم لا يدركون أنه مريض أو يحتاج لعلاج، وهذا يعكس ثقافتهم وتعليمهم وإحساسهم بأنه منقذ لهم.

وختاما يبقى محمد عبد التواب أثير للمرض النفسى، الذى ارتضاه بديلا سهلا وسلبيا بعيدا عن العنف والتخريب والاكتئاب، تاركا خلفه مجتمعا ربما لم يرتض كلاهما الآخر.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة