◄◄ إياك أن تقول لأ أو أنا أو حقى أو وجهة نظرى أو عايز علاوة أو ماقدرش أو إنت.. فهى إساءة بالغة إلى الذات «المديرية»
أعدكم أعزائى القراء أن تجدوا هنا الدليل المادى على أن «أكل العيش مر» ومرارته لا تنبع منه شخصياً، وإنما من وضع الموظف داخل منظومة العمل. إذ جرت العادة أن يعتبر الموظف مديره رب العمل، وعليه أن يطيعه وينصره ظالماً أو مظلوماً.
ولأن منظومة العمل فى الأصل «ملعوب فى أساسها» فبالتأكيد يعرف أن مديره مثل أبيه أو أمه أو على الأقل زوجته، له عليه حق الطاعة وواجبه نحوه هو الإذعان والاسترضاء والاستمالة، ومن هنا يقف الموظف بين يدى مديره، كالأسير فى محبسه، والكسير فى مجبسه، كالطفل الذى خرج من السرير لتوه بعد أن فعلها على نفسه لا يلومن إلا نفسه.
وجدير بالذكر هنا أن هناك الكثير من المديرين يتمتعون بقدر عال من النزاهة والديمقراطية، لكن الغالبية لا يتمتعون بهذه الصفات، وعلى رأى المثل يا مدير إيه مدررك قال: ملقتش قانون يلمنى. وغياب القانون يا إخوتى الأعزاء هو أساس البلاء والابتلاء، وهذا ما يجعل الموظفين المسالمين الطيبين يحسبون ألف حساب لكلماتهم أمام مديرهم، ويجرون كل أنواع التحاليل التفسيرية لكلماتهم قبل خروجها من أفواههم، وإن حدث وقالوا كلمة من ذلك النوع الذى يغضب المديرين فسرعان ما يراجعونها وينفونها ويؤكدون على عدم قصدهم لمعنى يسىء إلى الذات المديرية لا سمح الله.
الأولى: أولى الكلمات المحظورة فى التعامل المباشر بين الموظف ومديره هى كلمة مكونة من حرفين اثنين إلا أنها قاسية على الأسماع، مليئة بالأوجاع، كلمة «لأ» التى ما إن يقولها الموظف من دول إلا وتنصب عليه الحمم البركانية والكلمات القاسية والجزاءات التى لا يدرى بها أحد، لأن معناها عند المديرين يختلف اختلافاً جذرياً عن معناها عند الناس التانيين، فرؤساء العمل والمديرون المباشرون يعتبرون كلمة «لأ» تهديدا واضحا وصريحا وشديد اللهجة لمكانتهم المديرية، لأن الكلمة تعنى اعتراضاً، والاعتراض يعنى عدم اعتراف، وعدم الاعتراف يعنى التمرد، والتمرد يعنى العصيان، والعصيان يعنى الانقلاب، والانقلاب يعنى هتروح ورا الشمس بإذن المولى عز وجل، ولذلك يتجنب الموظفون الذهاب ورا الشمس بأن يظلوا فى الضل، لا يفكرون، وإن فكروا لا يتكلمون، وإن تكلموا فحاضر ونعم ونعمين تلات أربع خمس نعمات.
الثانية: الكلمة الثانية التى يتجنبها الموظفون ويكرهها المديرون هى كلمة «وجهة نظرى» وهذه الكلمة أخت الأولى، ويكرهها المديرون لأنها تفترض أن للموظف والشر بره وبعيد «وجهة نظر» جعلته يعترض على كلام الكبار والمجاهرة به عيانا بيانا كده قدام الناس، ومعنى أن يكون للموظف وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر المدير أنه لا يعجبه قراراته، وأنه قد يكون بديلا لسيادته فى أوقات غيابه، ولذلك يكافح المديرون الآفات الوجهات نظرية داخل مرؤوسيهم بنزع بذورها من جذورها، وتربية المرؤوسين على الآراء منزوعة وجهات النظر التى لا ترى فى كل ما ينطقه السيد المدير وحيا مقدسا وكلاما ملهما.
الثالثة: يفهم السادة مديرو العموم ورؤساء الإدارات المركزية فكرة التفانى فى العمل وإنكار الذات بشكل خاص، فهم يحبذون أن يتمتع جميع مرؤوسيهم بهذه الصفات بينما هم بالطبع لا يملون ولا يكلون من الاستعراض بإنجازاتهم والحديث عن أفضالهم على القاصى والدانى، ومن هنا تكون كلمة «أنا» غير مستحبة وغير مرغوب فيها ولا محبذة من جانب المديرين حينما يتفوه بها الموظفون، لأنها تعلى من شأنهم وتبرز أهميتهم، وبالتالى يتخيل بعض المديرين أنه حينما يكون هناك شخص مهم فى منطقة نفوذهم فهذا بالتالى يعنى التقليل من أهميتهم.
الرابعة: يفترض السادة المديرون أن موظفيهم ومرؤوسيهم «سوبرمان» مجهزون لخدمة عملهم فقط، وبالتالى حينما يسمع المدير كلمة «مقدرش» من أحد مرؤوسيه تنتابه حالة من الهلع، وكأنه ارتكب ذنبا لا يغتفر، فمن صفات الموظف الناجح بالنسبة لهم أن يكون من عينة «لا أرى لا أسمع لا أتكلم لا أشرب لا أنام.....» ولذلك حينما يقول الموظف «مقدرش» فهذا لا يعنى بالنسبة لهم أنه بشر من لحم ودم، وإنما يعنى عدم أهليته لوظيفته، ولا للتشريف الذى انهال عليه بعد تكليفه بشىء أبدى عدم قدرته على فعله، ومن هنا تصبح كلمة «مقدرش» من الكبائر، التى لا يمحوها شىء، وبالتالى لا يقدر الموظف على أن يصرح بهذه الكلمة مهما وصل إلى إرهاق وإعياء، وعلى المدير الأمر والتكليف وعلى الموظف السمع والطاعة مهما كان الأمر.
الخامسة: وكما كانت كلمة «لأ» أخت كلمة «وجهة نظرى» فى تحريم نطقها على الموظفين فإن كلمة «حقى» هى أخت كلمة «مقدرش» فى ذات الموضوع، فلا يجب أن يقولها الموظف أمام مديره وإذا قالها الموظف ولو فى سره فالرد المناسب هو «حَقك إيه كسر حُقك» ففى ظل نظام السوق الرأسمالى الحلزونى المتسهوك الذى نحيا فى ظله، لا حقوق للموظفين ولا العمال ولا حتى للفلاحين.
السادسة: هى الكلمة التى لا يحبها المدير ولا ينطقها المرؤوس هى كلمة «أنت» فمعروف أن الاحترام واجب، لكن فى حالة المدير ومرؤوسه يصبح الاحترام فرضا، وإجبارا، وجدير بالذكر هنا أن اللغة العربية وفرت قاموساً محترماً لتجنب قول هذه الكلمة التى يعتبرها المدير تقليلا من شأنه،فيجب أن تختار فيما بين الأقواس، وأن تقول له مثلاً (سيادتك، حضرتك، معاليك، رئاستك، فخامتك، بسلامتك) أو تقول له (يا رياسة، ياعظمة، يا منجهة، يا باشا).
السابعة: فى زمن وصلت فيه البطالة إلى معدلات قياسية، وأصبح الراجل المتعلم الفاهم الذى يحمل الشهادة الكبيرة سباكا وزبالا وكناسا، يعتبر المديرون أن الوظيفة فى حد ذاتها هبة من الله يعطونها إلى من يريدون من المحظوظين، ولهذا حينما يقول الموظف إنه يريد علاوة أو مكافأة فقد أزفت الآزفة، وبدا على وجهه التمرد والبطر على نعمة الله، وليست المشكلة عند السادة المديرين فى صرف مكافأة لمن يستحق، ولكن فيما وراء طلب المكافأة، وهذا الـ «ماوراء» يفترض أن الموظف شاف نفسه حبتين، وأنه بدأ يشعر بوجوده وأهميته وإنجازاته، وتتجلى فى الكلمة السابعة «عايز مكافأة أو عايز علاوة» كل المعانى السلبية فى الكلمات السابقة، لذلك لا يتجرأ الموظفون على التصريح بهذه الكلمة وإذا طفح بهم الكيل يوكلون أحد القريبين من السيد المدير ليمرروها إليه بلا خسائر وليجسوا النبض والإمكانية، فإن قبل فلله الحمد، وإن رفض فيا دار ما دخلك شر. قد يرى البعض أننى «زودتها حبتين» وقسيت على المديرين، وللحق فهناك الكثير من المديرين الآن يتمتعون بروح عالية من التفاهم والديمقراطية والشفافية ومراعاة محدودى الدخل، وأظن أننى بهذين «البقّين» قد راضيت الكثير من المديرين «لايتعدون ثلاثة» سيقرأون هذا الكلام، ولهؤلاء أقول إنكم لستم المقصودين، إنما أقصد الناس التانيين، وكل خوفى أن تطلعوا أنتم «الناس التانيين».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة