شريف حافظ

متى تبلغ الدول العربية سلام وستفاليا؟

الخميس، 06 مايو 2010 08:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مرت سنوات وسنوات من الحرب الباردة العربية – العربية التى وصلت إلى حد السخونة كثيراً. فالمصالح المتبادلة، لا يتم الاعتراف بها ويكرر العرب صدامهم كلما تعرضوا للمشاكل نفسها إلى حد كبير. ويدفع المواطنون، كثيراً، أثمان تلك التخبطات المستمرة، وقد نتج هذا بالأساس، عن "ضعف" "النُظم" العربية من الداخل وعدم تأسيسها لفكرة الدولة حتى الآن، رغم أن الدروس والعبر مرت كثيرة عبر أيامهم، لقد كان أحد الدروس الكبرى من جراء هزيمة 1967، ووجود أكثر من تيار داخل القيادة فى مصر، والعالم العربى، أن غياب السلطة "التنفيذية" الواحدة فى الدولة، يمكنها أن تؤدى إلى مثل تلك الهزائم، تكرر الدرس خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وتكرر فى الصومال ثم العراق! إلا أن تلك الأمثلة هى الأمثلة الفجة، ويوجد أمثلة أقل وطأة، إلا أنها هى التى تأتى بالصدمات الكُبرى فى النهاية، ورغم ذلك فإن العرب لا يتعلمون!

إن ما شاهدناه فى مثال قتل المواطن المصرى محمد سليم فى قرية "كترمايا" اللبنانية، إنما هو مثال من تلك الأمثلة التى هى "أقل وطأة"، رغم عمق الشعور بالقهر والمهانة وقمة الوحشية والقتل بدم بارد!! ومثال مقتل الأقباط "المتكرر" فى صعيد مصر، تعبير آخر عن تلك المشكلة، ولو صعدنا قليلاً بالأمثلة فإن ما حدث فى أم درمان عقب مباراة كرة القدم بين منتخبى مصر والجزائر، لهو مثال آخر، على غياب دور الدولة العربية! إن الأمثلة كثيرة، لا يسع المجال هنا لذكرها كلها، ولكن وجود سلطتين فى الكيان الذى يريد أن يُقيم دولة مثلما هو الحال فى الكيان الفلسطينى مثلاً، لهو نموذج حى، على غياب دور السلطة المركزية التى يمكنها التحول إلى دولة، ووجود جيش مواز لجيش الدولة فى لبنان والصومال والعراق، كلها نماذج على غياب الدولة، فى مجملها!

ثم تأتى الأمثلة اليومية مثل غياب سيادة القانون المساوى بين جميع المواطنين فى "أغلب" الدول العربية، مما يجعل الدول قريبة الشبه بالقبائل، وكأنها مازالت تزرع وتحصد وفقا للهوى والفائدة العائدة على القبيلة أو العشيرة التى نشير لها فى هذا الخصوص، وربما تكون تلك الجماعة حزبا حاكما بذاته لا يسمح لمن دونه بنفس الفرص المتساوية أو طبقة اجتماعية أو أغلبية دينية أو قبيلة هى الأكبر.. إلخ! وبالطبع تتفاوت الدول العربية فى هذا الخصوص بحيث هناك نظم تقترب أكثر إلى فكرة الدولة ونظم تبتعد كثيراً عن نلك الفكرة! وربما ترتبط فكرة الخلاف حول "طبيعة" الديمقراطية فى تلك الدول اليوم بتلك المعضلة المتمثلة فى غياب الدولة العربية من المحيط للخليج!

ويتضاءل وجود الدولة فى القرى والأقاليم البعيدة عن مراكز الدولة الحضارية وهى المشكلة الأساسية التى ستؤدى إلى تقسيم السودان مثلاً، حتى إننى أستغرب وبشدة موقف الكثير من النظم العربية وعلى رأسهم مصر، من الحكومة المركزية فى الخرطوم، لأن هذا الموقف (المتمسك بالحاكم الحالى للسودان الذى يهمش بقية السودان لصالح شماله) لا يمت لمصالح مجمل العرب بأى صلة، حيث إن الأمر يقود إلى التقسيم بلا ريب! إن من يقود الأقاليم التى تُدعى "دول" فى المناطق النائية عن العواصم أو المدن الحضارية الكبرى، لهى العصبية ومن هم أقوى سلطة أو أكثر عشيرة، وتعمل تلك الأماكن على إنفاذ القانون بأساليبها الخاصة. فتتكلم النظم فى المنطقة منذ استقلالها ضد الثأر وجرائم الشرف مثلاً، على أساس أنها تعالج تلك الظواهر، فنفاجأ، بأنها مازالت تقبع على قلوبنا، بل وتنفجر فى وجوهنا بأبشع الصور، وهو ما يدل على فشل الدول أو عدم رغبتها فى أن تكون دول، بإنقاذ هيبتها فى تلك المناطق وإعمال التقدم والوعى فى فكر مواطنيها!!

إن مركزية دور السلطة رغم ديمقراطيتها، لم يحدث فى الكيانات العربية فى أغلبها. والغريب، أن هذا حدث فى إسرائيل التى يواجهها أغلب العرب منذ نشوئها، ورغم مالها فى قلب العرب من مكانة متدنية وهو أمر مفهوم نتيجة لما تقوم به من إحتلال وقهر للفلسطينيين. إلا أن الحقيقة أنها الوحيدة على الأغلب، فى المنطقة، التى أقامت الدولة المركزية بمعناها النظرى، ناقلة إياه إلى الواقع العملى!! ففى أحد أيام شهر يونيو سنة 1948 دخلت سفينة تدعى "ألتالينا Altalena" بالقرب من ميناء تل أبيب، محملة بأسلحة تقدر وقتها بـ 153 مليون فرنك فرنسى، وعدد غير قليل من الرجال التابعين لعصابة الإرجون التابعة لمناحم بيجن. وقد أمر وقتها رئيس الوزراء الإسرائيلى الأول ديفيد بن جوريون، مناحم بيجن بألا يدخل تلك السفينة ويفرغ سلاحها أو رجالها فى إسرائيل، لأنه لا يوجد فى إسرائيل غير جيش واحد فقط وسلطة واحدة، وأن زمن العصابات قد انتهى، لصالح الدولة الواحدة المركزية! فلم يطع مناحم بيجن الأمر، مما حدا ببن جوريون بأن أمر "يجال يادين"، أحد ضباط جيش الدفاع الإسرائيلى، بضرب السفينة وإغراقها وهو ما حدث بالفعل، مما أدى إلى قتل الكثير من الإسرائيليين على أيدى إسرائيليين مثلهم فى أوج حرب فلسطين بين إسرائيل والجيوش العربية، وسُجن الأحياء المتبقين من مئات الرجال المنتمين إلى عصابة الأرجون الإسرائيليين، وأُتلفت الأسلحة التى كانت على متن السفينة وغرقت معها! هذا كان عمل فى سبيل انتصار فكرة الدولة! كان عمل حاسم ووحشى، ولكن كان الهدف فى النهاية أن تترسخ الدولة وألا يوجد أى جيش أو ميليشيا موازية فيها أو أى سلطة أخرى غير سلطتها، وإن كانت ديمقراطية فيها التداول السلمى للسلطة وفقا لصندوق الانتخابات! فهل هذا ضمن أسباب سطوة إسرائيل فى المنطقة وضعف المنظومة العربية؟!

لقد ظهرت فكرة الدولة للمرة الأولى كما نعرفها اليوم، بعيداً عن فكرة الإمبراطوريات المترامية الأطراف، فى اتفاقية صُلح سلام وستفاليا سنة 1648، الذى سُمى هكذا، نسبة لإقليم بهذا الأسم بألمانيا المعاصرة. وعن هذا الاتفاق ظهرت الدولة وسيادتها واحترام حدودها ومبدأ التعايش السلمى بها وبين دول القارة الأوروبية واحترام المصالح المتبادلة، وكانت تلك المعاهدة هى نقطة انطلاق لمعاهدات أخرى أدت إلى ترسيخ فكرة الدولة بشكل تطورت معه، حتى صارت إلى ما صارت عليه فى الغرب اليوم من رقى، بغض النظر عن الاستثناءات التى قد تظهر فى بعض الأحيان!

تحن لم نبلغ بعد تلك المرحلة التى تُحترم فيها سيادة الدولة ومركزية سلطتها، لذا يحدث من وقت إلى آخر مشاكل وأزمات ومعضلات فى العلاقات سواء فى داخل الدولة بين أفرادها ومواطنيها، أو فى خارج الدولة بينها وبين دولة أو دول أخرى، وما تلك الأحداث التى تحدث بداخلها من فوضى إلا دليل على ذلك، وإن كان الأمن يواجه تلك الفوضى، فإنه يفعل هذا حماية لنظام حكم وليس صيانة للدولة، التى لا وجدود لها فى الأصل!!

إن فكرة الدولة تتمثل ضمن أشياء أخرى، فى وجود سيادة للقانون على الجميع على حدٍ سواء، فى ظل وجود سلطة مركزية "أمنية" واحدة، لا يمكن تحديها، وإن كانت الدولة ديمقراطية غير مركزية من حيث نظامها السياسى! فالقانون يطبق على الجميع والعلاقات بين الدولة وغيرها تحميها احترام المصالح المتبادلة وحل المنازعات بينها بالطرق السلمية، وليس بجحافل البربر الذين يجرون وراء المواطنين العزل فى الشوارع أو باغتيال رئيس وزراء دولة أخرى بتفجير دموى لوجود اختلاف فى الرؤى!!

إن الدولة العربية "المدنية" غائبة، بل هى لم تقم بعد، وحين تقوم مُعبرة عن التطور الحقيقى فى الفكر السياسى والقانونى المعاصر، سيصان الأفراد فيها ويشعرون بمظلتها لهم فى خارجها أيضاً، محترمين إياها ولو عارضوا سياسة النظم فيها، وستختفى أكثر المشكلات التى تواجهها "النُظم" العربية اليوم، فى الداخل أو فى الخارج!

• أستاذ علوم سياسية.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة