ويذكر الدكتور عماد أبو غازى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة فى مقدمته الافتتاحية للمجلة، أن مجموعات الأوراق الخاصة للشخصيات السياسية والثقافية والفنية من المصادر المهمة لدراسة التاريخ، فمثل هذه المجموعات بما تضمه من مذكرات وخواطر وخطابات وصور فوتوغرافية وتذكارات تعكس ملامح خافية من حياة من لعبوا أدوارًا فى تاريخ الإنسانية وأسهموا فى إثراء تراثها، كما تكشف عن جوانب مستترة فى التاريخ، ويضيف: "للأسف فإن الأرشيفات القومية لا تستطيع أن تحصل على مثل هذه الأوراق الخاصة إلا إذا كان لدى أصحابها أو ورثتهم الوعى والحس التاريخيين بأهمية هذه الأوراق، وبضرورة إتاحتها للباحثين والمهتمين من خلال دور الأرشيف والمتاحف والمكتبات العامة".
وعن تجربة الدكتور عماد أبو غازى مع مشروع ذاكرة مصر المعاصرة الصادر عن مكتبة الإسكندرية؛ أشار فى مقاله إلى اهتمام المشروع منذ اللحظة الأولى بجمع مثل هذه الأوراق فضم الموقع مجموعات من الوثائق والصور والأوراق الخاصة لشخصيات سياسية وعلمية وثقافية لعبت أدوارًا مهمة فى تاريخ مصر فى القرنين الماضيين، مثل: أوراق الرئيس الراحل أنور السادات، وأرشيف أسرة غالى، وأوراق دائرة محمد باشا محمود، وأوراق على باشا إبراهيم، وأوراق يوسف درويش، وأوراق آخرين غيرهم.
ويأخذنا أبو غازى فى هذا العدد فى جولة موثقة بالصور والأوراق والخطابات بخط يد فنان مصر المَثَّال محمود مختار، حيث يقدم لنا بعض النماذج من الأوراق الخاصة لواحد من رواد النهضة الثقافية والفنية فى القرن العشرين.
تُوفى مختار فى 27 مارس سنة 1934 وترك تراثًا فنيًّا ضخمًا ومشروعات عديدة لم تكتمل، وأوراقًا وصورًا تشكل أرشيفًا لحياته الفنية والخاصة، يضم عشرات الصور الفوتوغرافية لأعماله الفنية التى لم يعرف مصير بعضها، فضلاً عن صوره الشخصية وصوره مع أصدقائه فى مناسبات متعددة، وبعض صور لأصدقائه وللشخصيات التى نحت لها تماثيل، كما يضم هذا الأرشيف بعض الخطابات الشخصية، وبعض الأوراق الخاصة، كذلك يحوى أوراقًا تتعلق بالعمل فى تمثال نهضة مصر، وبعض أوراق "جماعة الخيال" التى شارك مختار فى تأسيسها فى العشرينيات من القرن الماضى، وكانت تضم مجموعة من الفنانين والأدباء المصريين والأجانب المقيمين فى مصر.
وقد تجمع هذا الأرشيف من ثلاثة مصادر رئيسية، أولها ما آل إلى الأسرة وحافظ عليه ابن شقيقته بدر الدين أبو غازى، بل أضاف إليه مما جمعه من أوراق وصور كانت لدى أصدقاء مختار، وما تجمع لدى أحد تلامذته المهتمين بإحياء تراثه الفنان الراحل على كامل الديب، الذى كان سكرتيرًا عامًّا لجمعية أصدقاء مختار فى مراحلها الأخيرة، ثم ما احتفظت به صديقته الفرنسية مارسيل دوبرى.
وقد أودعت أسرة مختار نماذج من هذا الأرشيف فى متحفه بالقاهرة القائم بحديقة الحرية بالجزيرة، كما نشر بدر الدين أبو غازى مجموعة مهمة من وثائق مختار وصوره وأوراقه التى يضمها أرشيفه الخاص فى كتابيه عن مختار: "مختار حياته وفنه" 1949، و"المثال مختار" 1964، وفى كتابه المشترك مع الناقد جبرائيل بقطر "مختار ونهضة مصر" الذى صدر بالفرنسية عام 1950.
أرشيف مختار غنى بالصور والوثائق التى لم تنشر من قبل، والتى تضم كثيرًا من التفاصيل الصغيرة المهمة عن حياة مختار وفنه، وعن الحياة الفنية والثقافية والاجتماعية، بل والحياة السياسية فى ذلك العصر الذى عاش فيه مختار، وكان العصر عصر تحول فى تاريخ مصر.
وفى جولة رائعة على أكثر من عشر صفحات من مجلة ذاكرة مصر المعاصرة نلتقى بمختار ووالدته وبعض أعماله الفنية التى أنتجها أثناء المرحلة الدراسية، وصور نادرة من أول معرض أقيم لطلبة مدرسة الفنون الجميلة سنة 1911، وقد أقيم المعرض بمبنى نادى الأتوموبيل المصرى (نادى سيارات) وشارك فيه طلاب المدرسة من مختلف التخصصات، وتظهر فى الصورتين بعض منحوتات مختار منها تمثال ابن البلد وتمثاله لزميل دراسته محمد حسن، بالإضافة إلى كثير من الروائع أهمها صور لبيت نهضة مصر الذى اكتسب اسمه من اسم تمثاله الشهير، ولعل أندر ما نشرته المجلة مجموعة الصور الخاصة بالمراحل المختلفة لبناء التمثال حتى لحظة إزاحة الستار عنه.
جدير بالذكر أن مجلة ذاكرة مصر المعاصرة هى مجلة ربع سنوية تصدر عن مكتبة الإسكندرية، يرأس تحريرها الدكتور خالد عزب، وسكرتيرة تحريرها سوزان عابد، والإخراج الفنى لهانى صابر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة