خالد صلاح

من يتحمل هذا الخطأ السياسى.. عائشة عبدالهادى أم محمود محيى الدين؟

الأربعاء، 05 مايو 2010 01:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عقود بيع الشركات وضعت البلد بكامله فى دائرة عدم الاستقرار العمالى

الرجل الوحيد الذى ينبغى عليه أن يتكلم الآن بوضوح حول هذه النتيجة البغيضة لبيع شركات القطاع العام لمستثمرين من القطاع الخاص (عربا وأجانب) هو الدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار، بعد عواصف الأزمات المتعاقبة لعمال مصريين ظلمهم المستثمر الأجنبى، ودفعهم إلى حافة الهاوية، أو إلى رصيف مجلس الشعب.

الدكتور محمود فضّل الصمت، كأن ما يجرى لا يعنيه فى شىء من قريب أو من بعيد، والدكتور محمود حافظ على اتزانه الإعلامى وثباته الاستراتيجى، استثمر كل خبراته السياسية فى تجاهل الاعتصامات والإضرابات والوقفات الاحتجاجية، رغم أنه الرجل الوحيد المسؤول عن كل عقود التسليم والتسلم التى وقعتها الحكومة مع المستثمرين.

لم ينطق محمود محيى الدين بكلمة، وكأن المشكلة ليست إلا ميراثا خاصا لوزيرة القوى العاملة عائشة عبدالهادى، فى حين أن عائشة لا ناقة لها ولا جمل، الدكتور محمود هو الذى شارك فى التخطيط، وهو الذى عرض الشركات للبيع، وهو الذى تابع توقيع العقود، وهو الذى قطع قسما على نفسه بأن يحافظ على حقوق عمال الشركات التى جرى بيعها منذ بدء مسيرة الخصخصة، حتى تعرضها للسكتة الدماغية حاليا.

الحكومة التى ظنت أنها ارتاحت من هموم الشركات الخاسرة، وتوهمت أنها قطعت حبل الوريد مع المشكلات العمالية فى هذه الشركات، فوجئت بأنها تقف مكتوفة الأيدى أمام اعتصامات حاشدة فى الشارع الضيق بين مبنى مجلس الوزراء وأسوار مجلس الشعب، وفوجئت أيضا بأنه لا يوجد فى العقود التى حررتها مع المستثمرين العرب والأجانب ما يساعدها على إرغام المشترين على تقديم حلول حقيقية لهؤلاء العمال.

باعت الحكومة الشركات لتتخلص من صداع مزمن، وتتحرر من قيود الإدارة، وتضع على صدرها شارة النجاح فى اختبار الانتقال إلى عصر اقتصاديات السوق، لكنها أدركت لاحقا أنها غرقت فى مشكلات عمالية خصمت من رصيدها لدى العالم، وشوهت صورتها أمام الرأى العام الداخلى، وظهرت مرتبكة وواهنة أمام هذا القطاع العريض من العمال، والسبب المباشر والواضح والصريح فى كل ذلك، هو تلك الهرولة التى تحركت بها أجهزة الدولة فى عمليات البيع، وصياغة العقود للمستثمرين العرب والأجانب. (كلفتة) عمليات البيع كانت مُفجّرا للأزمات العمالية، و(كلفتة) العقود كانت وراء عجز الدولة عن اتخاذ مواقف تحفظ حقوق العمال فيما بعد، وفى تقديرى، أن الرجل الوحيد الذى يتحمل إثم هذه الهرولة و(الكلفتة) من الناحية السياسية، هو الوزير الدكتور محمود محيى الدين. لكن الرجل لم يتكلم، والدولة لم تفتح ملف العقود مرة أخرى، والبرلمان لم يطرق هذا الباب بقوة، ليعرف ما السبب وراء التنازلات المهينة التى قدمتها الحكومة للمستثمر العربى أو الأجنبى، أو ليعرف ما الضمانات التى يمكن أن تضاف إلى العقود المحتملة فى المستقبل، حتى لا تتكرر مأساة طنطا للكتان، أو عمر أفندى، أو غيرهما من عشرات الشركات التى خرج عمالها إلى الشوارع بحثا عن حل بعد أن فشلت مفاوضاتهم مع الملاك الجدد، وفشلت الحكومة فى حل أزماتهم بسبب العقود (المكلفتة) التى كان محمود محيى الدين وطاقمه الموقر وراءها خطوة بخطوة.

أعرف مسبقا أن الحكومة تميل دائما إلى التهوين من هذه المشكلات العمالية، وتعتبر أن العمال مترفون ومرفهون، ويبحثون عن مكاسب إضافية، هناك بالفعل رجال داخل الحكومة يصدّرون للإعلام هذا الوهم، ويقدمون مشاكل العمال فى صياغة ساخرة وكارتونية للتقليل من أثرها السياسى، لكننى أعرف أيضا أن المزيد من التهوين قد ينقلب لخسارة فادحة، حال بقاء المشكلات على ما هى عليه، وأعرف أيضا أن استمرار هذه الرؤية الفوقية الساخرة، يقودنا إلى تجاهل المشكلة الحقيقية، وهى الطريقة التى نحرر بها عقود البيع للمستثمرين فى القطاع الخاص، والآلية التى نسلم بها الشركات والعمال دون ضمانات قانونية فاعلة، ودون تأكيد دور الدولة فى التدخل عند الضرورة.

محمود محيى الدين هو البطل الأساسى فى هذه الدراما المأساوية، وهو الرجل الذى ينبغى أن نطرح عليه الأسئلة فى هذا الملف، وهو المسؤول الأول عن تفسير حال هذه العقود، والأسباب وراء هذه (الكلفتة).

سيقول الوزير إن نصف عمليات البيع تمت فى عهود سابقة على توليه هذه المسؤولية، وسيقول الوزير أيضا إن لجانا مختصة تضم خبرات كبيرة، كانت مكلفة بمراجعة صياغة العقود، وهى التى تتحمل المسؤولية عن أى أخطاء قانونية، أو إهمال فى الصياغة أدى بنا إلى هذه الحالة، لكن كل هذا لا يعنى أن المسؤولية السياسية عن كل هذه الأزمات العمالية لا تقع على كاهله، ففى النهاية هو الذى يراجع ما انتهت إليه اللجان، وهو المسؤول عن إصلاح ما أفسدته قوى أخرى تولت هذه المهمة من قبل، وإذا كانت الحكومة جادة فى علاج هذه العواصف الاحتجاجية العمالية، فعليها أن تعيد مراجعة هذه العقود وأن تتعلم من أخطاء الهرولة الساذجة التى انتهت بنا إلى هذه الدراما السوداء. نحن نريد إجابات واضحة من الوزير الدكتور محمود محيى الدين، ونريد أيضا تفسيرات عن أسباب هذا الخلل، والأهم أننا نريد حلولا حقيقية لهذه الأوضاع، فالإيمان باقتصاد السوق، والرهان على الاستثمار الخاص العربى والأجنبى، لا يعنى أن نضع البلد بكامله فى دائرة عدم الاستقرار العمالى، وما قد يترتب عليه من اضطرابات أكبر على المستويين الأمنى والسياسى، وأظن أن الدكتور محمود يفهم ذلك جيدا، فهل يمكنه أن يتجرأ على وضع هذه التجربة المريرة فى الميزان، ومحاسبة نفسه أولا قبل أن يحاسبه البرلمان، أو يحاسبه الرأى العام، أو يحاسبه التاريخ؟











مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة