أعتقد أن كثيرا من الناس يطلقون على بعض الأشخاص لقب العبقرى ولكن السؤال المهم هل يستحقون فعلا هذا اللقب أم أنه على سبيل المجاملة أو التعظيم فقط لا غير. هناك أشخاص يستحقون ذلك اللقب فعلا و لكن للأسف لم يسمعوه قط فى حياتهم و للأسف سمعوه بعدما رحلوا إلى العالم الأخر و من هؤلاء العباقرة الدكتور مصطفى محمود فقد عاش الرجل وحيدا فى أخر أيامه لم يسأل عليه أحد إلا من رحم ربى و هوجم كثيرا فى حياته فقط لأنه عبقرى سابق عصره ليس له حدود فى تفكيره يقوم بتحليل الأشياء التى من حوله مدركا أن أعظم نعمة أعطاها الله إلى عباده هو العقل و نحن فى هذه الدنيا مكلفين بتشغيل عقولنا و ليس تعطيلها.
كثير منا شاهد حلقات العلم والإيمان لهذا العبقرى وانبهرنا بهذه الحلقات جميعا و دعنى أقول لك عزيزى القارئ أن هذه الحلقات بقيمتها العلمية و الفنية الكبيرة ليست أعظم ما قدم الدكتور فى حياته ، فالدكتور له 89 كتابا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات كتبها العبقرى بأسلوب رائع و مشوق و إستطاع أن يجمع بين العمق و البساطة.
فمن يقرأ كتبا مثل زيارة للجنة والنار - فى الحب والحياة- رجل تحت الصفر- الشيطان يسكن فى بيتنا سيدرك قيمة غالية جدا أن معرفة الله سبحانه و تعالى هى سبب وجودنا فى هذه الدنيا الفانية وأن حياتنا الدنيا ما هى إلا نصف القصة وأن هناك فصل أخر من الحكاية سوف يكون يوم الحساب و كم منا يعرف هذه الحقيقة و لكن للأسف نتناساها كل يوم و كأننا مخلدين فى هذه الدنيا و لكن الدكتور مصطفى محمود بعبقريته يستطيع أن يجعل دائما هذه الحقيقة أمام عينيك.
كم من هجوم تعرض له الدكتور فى حياته وكم من بشر اتهموه بالكفر و الإلحاد و لكنهم للأسف لم يقدموا للبشرية نصف ما قدم ، فقد أنشأ مسجده الشهير فى المهندسين سنة 1979 و يتبعه ثلاثة مراكز طبية لعلاج محدودى الدخل عن طريق أحدث الأجهزة و بأسعار رمزية فها هو قد فتح طاقة أمل عند كثير من المرضى الفقراء للشفاء و لم يتكلم فقط مثلما يفعل أغلب من يسيطرون على عقولنا هذه الأيام من فنانين و مثقفين ورياضيين و شيوخ. فالرجل قد قام بمشروعه الخيرى بمفرده و يكفى أن تذهب عند مستشفى محمود و سترى بنفسك ماذا فعل هذا الرجل لهؤلاء الفقراء و ماذا يفعل عظمائنا الذى كثيرا ما نتغنى بهم و نجعل منهم أبطالا وهم للأسف لم يفعلوا شيئا لهذا البلد ونتهم من فعلوا أشياء عظيمة لهذا البلد مثل هذا الرجل العبقرى بالكفر و الإلحاد و الردة و أبشع الاتهامات التى ممكن أن يتهمها إنسان إلى إنسان مثله .
فقد قرأت أن هناك مسلسلا يتم تحضيره عن حياة الدكتور مصطفى محمود و هذا شيء جيد لكى يتعرف شباب هذا الجيل على حقيقة مصطفى محمود وكذب و افتراء من حاولوا تشويه صورته و لكن السؤال المعتاد الذى يجب أن نبحث له عن حل هو أننا تذكرنا قيمة هذا الرجل بعد ما رحل عن عالمنا و لم نقدره حق قدره فى حياته لنعطى له الشحنة التى من خلالها تجعله يبدع و يكتب .
أعتقد أنها أصبحت عادة عندنا أننا نحاول أن نهدم رموز هذا الوطن واحدا تلو الأخر بدلا من إعلاء قيمتهم لينقذوا هذا البلد من الفقر و التخلف المنتشر كالوباء فى بلدنا.
رحمك الله أيها العبقرى .
د. مصطفى محمود