أؤمن أنه ثمة حكم كثيرة تمر من وراء الأحداث التى تقع للإنسان، النجاحات، والمصائب، المكاسب، والخسائر، البدايات والنهايات، فكلها من سنن الكون و.. الحياة.
ولأن الأمر ليس للتنظير فيه ولا الفذلكة مكان، فقد حرصت طيلة الأسابيع الماضية على الصمت ومتابعة ما يحدث بموقع اسلام أونلاين، والذى لا زال ما يزيد على 200 من زملائنا الصحفيين به معتصمين، محتجين على هدر حقوقهم المعنوية، والمادية.
الصدمة الرهيبة لانهيار مؤسسة كانت تستعد للاحتفال بمرور 10 سنوات على إنشائها، جعلت الجميع ممن يختلف مع إسلام أونلاين قبل من يتفق، يتحدث، ويتساءل، ويتعجب، ويندهش، وربما يعتصم إلى جوار المعتصمين ويساند، أو يتدخل للوساطة والإصلاح، وتهدئة النفوس، أملا فى اعادة " الاستقرار" - الذى بدا وهماً وانكشف- أو على أقل تقدير اعطاء الحقوق لهذا العدد الكبير من العاملين.
منذ أيام قليلة اتصلت بإحدى الزميلات بإسلام أونلاين لمعرفة آخر تطورات الأحداث لديهم، فوجدتها قد وضعت على الكول تون الخاص بتليفونها المحمول أغنية "الأماكن" لمحمد عبده، والحقيقة أن معرفتى بحقيقة ارتباطنا بالأماكن، والذكريات ، والتى تنطبق على كل ما ومن نحب لم تجعلنى استغرب هذه الكول تون للأغنية التى قيلت فى شأن عاطفى بحت كما يعرف من سمعها، ولكن زميلتى – ومعها كل الحق – قد شعرت بهذه المشاعر تجاه مكان عملها الذى أحبته وارتبطت به.
ولأن كل الناس عندما يعملون يحلمون، وعندما يكون عملهم إعلاميا فإنه غالبا ما يأخذ الصبغة الرسالية، مع أناس شغلتهم "الأفكار"، وإنارة وتغيير الوعى العام، لذا فإنهم يحلمون أكثر، وعندما يفقدون عملهم فإنهم لا يفقدون مصدرا للرزق فحسب وإنما منبراً لا يستطيعون العيش بدونه أيضاً، ويمكن بعد إدراك هذه الأسباب المعنوية والمادية، أن نفهم مدى "الوجع" الذى أصاب زملاءنا فى إسلام أونلاين، ومن قبلهم آخرين كانوا ضحايا إغلاق صحف، وقنوات فضائية، ومواقع إلكترونية، وما أقسى الوجع عندما يأتى بعد تميز، أو نجاح غير مسبوق، ما أقسى أن يهدم نجاحك فوق رأسك، فتشعر أنك لابد أن تتشكك فى كل شئ حولك، وأن لا تثق بشئ من حولك، وتنسى أن هناك شئ مهم اسمه الولاء، أو الأمان، أو الاستقرار، خاصة إذا ما كنت شاباً/ شابة فى بداية، أو منتصف الطريق للمستقبلأ أو حتى كنت كهلا أو شيخا من شيوخ المهنة.
والحقيقة التى يعرفها المراقبون أن "اسلام أونلاين " كان محطة إعلامية مهمة فى حياة كثير من الصحفيين على اختلاف توجهاتهم الفكرية، واختلاف الأعمار، وقد كنت واحدة من هؤلاء الذين رتبت لهم الأقدار المشاركة فى تأسيسه كمراسلة صحفية من الكويت، فمن يعرف العام 1999 يعرف أن الإنترنت وقتها فى مصر ومعظم الدول العربية كانت حدثا يجهله الكثيرون، سواء من العاملين فى الإعلام أو من الجمهور المستقبل للرسالة الإعلامية، ومن هنا حملت مشاركتى فى هذا العمل أهمية جلبت لى خبرة جديدة وقتها، وسعادة خاصة بأن أنقل الكويت بأحداثها، وفعاليتها، وشخصياتها المهمة إلى الموقع الذى يبث من مصر، وحتى بعد عودتى إليها استمرت مشاركتى بالموقع الذى ذاع صيته، وضم نخبة مهنية راقية من الصحفيين.
ولو أن هناك تصنيفاً، فقد كنت فى هذا الموقع كما كان يرى البعض من المشاغبين، أحجارا كثيرة كنت أتعمد رميها فى مياه المجتمع الراكدة، وأختصم بها ممارسات لا تمت إلى الدين بصلة، فأنال حصتى من الشتم والتعليقات اللاذعة من جمهور الموقع بسبب القضايا والآراء التى كانت تبدو لهم صادمة، وحتى من بعض الزملاء الصحفيين المستكينين، ولم تطلب منى إدارة الموقع المستنيرة يوما التوقف، ولعل مقال" الزواج من ملتزم كارثة" كان أبرزها، حتى أن أحد الزملاء من الصحفيين المتشددين قال لى يومها أنه من المؤسف أننا كلما سنضع اسمك على جوجل، أو على الموقع سيظهر لنا هذا الكلام المخرف لك!
ولك أن تتوقع بالفعل رجع الصدى من نشر مقال كهذا فى موقع شاع أنه "إسلامى"، لكنه الذى يتم تأبينه الآن، كان من أكثر المواقع حرية، وانفتاحاً، ويبدو أن هذا الأمر كان من أبرز دواعى وحيثيات الإغلاق.
ولا زلت أعتز بسلسلة حوارات أجريتها بهذا الموقع مع ناشطات مصريات مميزات مثل جميلة اسماعيل، وعبير السعدى، وكويتيات أمثال الدكتورة عالية شعيب، والدكتورة معصومة المبارك من الكويت، ولم يتحرج الموقع من نشر صورهن وبعضهن غير محجبات، مما أثار ضده عاصفة من الانتقادات من بعض جمهوره، ومن بعض العناصر المتشددة من الإسلاميين العاملين فى المجال الإعلامى.
أحسب أن شهادتى لإسلام أونلاين، ليست مجروحة تماماً على الأقل لأننى غادرته منذ سنوات إلى تجربة اليوم السابع المصرية الواعدة، وعن طيب خاطر منهم ومنى، ولم أتضرر بشكل مباشر، ولكن الوفاء والشكر للأماكن، والمنابر، واجب، ولـ"إسلام أونلاين " الذى كان أحد هذه الأماكن الإعلامية الراقية، وصدقت صديقتى الفاضلة التى ودت لو كان اسمه "إنسان أونلاين"، لأنه نجح بالفعل فى احتواء الجميع، ونقد الجميع، ولم يكن دينياً بالمعنى التقليدى الشائع، فاستحق أن يتقدم بين المواقع العالمية، لذا كان ما حدث له من دواعى الأسف كل الأسف، كان إسلام أونلاين ضحية التقليديين، والمغرضين من أصحاب الفكر الواحد، وعدم قبول الآخر، وضحية التزاوج بين السلطة والمال، لأنه كان انسان أونلاين.
كل الشكر لهذا الموقع الذى كان إضافة إعلامية غير مسبوقة، وتمنياتى للزملاء من المخلصين فيه أن يكونوا ممن يمكثون فى الأرض، بعمل جديد، وإبداع قادم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة