كتبت مقالا فى الأسبوع الماضى موجها إلى عقلاء جمعية التغيير فى الأسبوع الماضى، للتحذير من أعضاء الجمعية ممن يريدون إشعال نار الفتنة السياسية والشعبية فى كل ركن من أركان وطننا الغالى مصر، ويصورون لجنة جمعية التغيير وكأنها حركة ملكت زمام الأمور التى تمكنها من توجيه الشعب المصرى توجيهاً دموياً، بحيث ينهض الشعب (فى تصورهم) عن بكرة أبيه ويثور وينتزع كرسى الرئاسة، ويسلمه مؤقتا للدكتور البرادعى حتى ينكشف المستور ويظهر المحرك الخفى وراء محاولة تقويض أمن مصر القومى، مدفوعين بالطمع فى حفنة دولارات، أو سلطة سياسية، أو اندفاعاً وراء ادعاءات وافتراءات (كاذبة) تنسب زوراً وبهتانا للإسلام والدين الإسلامى منها براء.
وإننى أستكمل به مقال اليوم موجها مناشدتى إلى القيادة السياسية الحريصة على حماية أمن مصر القومى كأولوية أولى بأن تقوم بتشكيل لجان إصلاح يضم إليها بعض السادة أساتذة القانون الدستورى الوطنيين المخلصين، ليس خوفا ولا رهبة من حركة من الحركات التى لا تعى ما تفعل، ولكن لطمأنة الشعب بأن الإصلاح قائم وجارى وقادم لا محالة، بالإضافة إلى ما يكتنفه من تهديدات خارجية وداخلية. كما تشرح للشعب ما تقوم به القوى المضادة، وتشرح أسباب تأخر تطبيق الديمقراطية الكاملة وتأخر استبدال قانون الطوارئ بقانون الإرهاب، وتأخر التعديلات الدستورية المطلوبة بكل شفافية، حتى يعلم الشعب خاصة الفئات المغرر بها بأن القيادة السياسية أمينة وحريصة على عدم الانجرار إلى المستنقع الذى يجذبها إليه بشدة التيار المعاكس للغالبية العظمى من الشعب، وقوى ذلك التيار لها مخططات وأجندات لا تتناسب مع مصر وتاريخ مصر والتركيب الديموغرافى للشعب المصرى.
ودليلنا أنه من الحقائق الثابتة أن الدكتور البرادعى حصل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على جائزة نوبل للسلام، وبعد تلك الجائزة حصل على فيض من الجوائز الأخرى التى قدمتها الدول والمؤسسات، ودرجة الدكتوراه الفخرية التى منحته العديد من الجامعات المرموقة، وهذا يشفع للرجل بشهادة أنه قدم الكثير من الخير للعالم الذى نعيش فيه.
وقد تعامل مع العالم خلال عمله فى المؤسسة الدولية كما هو أى بعدله وظلمه، ولم يتعامل مع العالم كما يتمنى هو، ومع ذلك لم تكن الدنيا التى تعامل معها عادلة، ولا كانت الدنيا كما تمناها، ولم يكن القانون الذى استخدمه معصوب العينين، وكان التمييز ما بين قوى خمس نووية تمتلك السلاح الذرى، وبقية دول العالم التى عليها أن تظل بعيدة عن هذا الحق.
ومن المعروف لدى من يدرسون المنظمات والمؤسسات الدولية أن العاملين فيها، خاصة فى الوظائف القيادية، عليهم المواءمة بين تناقضات دول عظمى، ومصالح دول كبرى، ومواءمات كثيرة بين المبادئ وذنوب السياسة العملية. وكان الدكتور البرادعى ناجحا فى تحقيق أهداف الوكالة حتى حاز جائزة نوبل من ناحية، وحصل على ثلاث فترات ولاية من ناحية أخرى، وهو بلا شك يرجع إلى مهارته السياسية فى التعامل مع واقع معقد تعامل معه على علاته وليس كما تمناه أو تصور حالته المثالية، بمعنى مرونة الدكتور البرادعى فى التعامل مع الأزمات.
ولكن العكس تماما حدث عندما عاد الدكتور البرادعى إلى أرض مصر بسلامة الله، ولديه هذه الخبرة التاريخية فى السياسة العملية، وبدأ الدكتور البرادعى يتحدث عن تغيير الواقع المصرى مما بعث الروح فى قضايا كانت مطروحة وهى المعروفة بالقضايا الدستورية وبنزاهة الانتخابات وكان الرجل مخلصاً فى نواياه الطيبة، ولكن ومع الأسف غطت مشاكل أخرى على المبادئ التى عودنا عليها.
فجميع المطالب التى نادى بها الدكتور البرادعى عندما بدأ فى مصر كلها كانت مشروعة ضمن الحوار المصرى العام حول حاضر مصر ومستقبلها، ولكن المطالبة بمقاطعة الانتخابات المقبلة، بسبب عدم وضع شرط التعديلات الدستورية قبلها، كنوع من الإملاء على كل القوى السياسية المصرية، دون محاولة النقاش مع جميع القوى السياسية على الساحة بدون استثناء مما يوحى بعكس سياسته وقناعاته خلال عمله فى المؤسسة الدولية.
فلو أن أفكار المقاطعة هذه قد وردت على ذهن الدكتور البرادعى خلال وجوده فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لما نجح أبدا فى تحقيق أهدافه وأهداف المنظمة الدولية، أما سر نجاحه فقد كان قدرته الفائقة على إيجاد توافقات بين قوى هى بطبيعتها متناقضة تناقضاً كبيراً تتحرك خطوة بعد خطوة، ولا تلجأ إلى مجلس الأمن إلا بعد استنفاد كل الطرق والوسائل كما حدث مع إيران، وفوق ذلك كله مهارة رائعة فى صياغة الكلمات والعبارات التى تجعل إيران بريئة حينا ومدانة أحيانا أخرى، ولكن العبارات تبقى الأبواب مفتوحة فى كل الأوقات.
وعلى هذا يكون الدكتور البرادعى قد اعتمد فى مصر على نوعية جديدة من السياسة لم يعرفها هو نفسه من قبل، ولا عرفها العالم الذى يريد الإنجاز والتغيير بالفعل، وانعكس ذلك بوضوح فى الموقف الذى اتخذه الدكتور البرادعى من العلاقة بين مصر وقطاع غزة ومنظمة حماس التى تحكمه، حيث انحاز رجل القانون والسياسة الدولية المحنك فورا لمواقف حماس والجماعات المتحمسة لها فى مصر على حساب المصالح المصرية الواضحة، وهو إن دل على شىء فإنه يدل دلالة واضحة على أن قيادة الجمعية الوطنية للتغيير لا تنبع من فكر وخبرة الدكتور البرادعى، ذلك بالرغم من أن حماس انقلبت على مؤسسة دولية وهى التى تعترف بها الأمم المتحدة التى كان يعمل لحسابها الدكتور البرادعى وعلى رأس واحدة من مؤسساتها حتى شهور قليلة مضت.
ومن كل هذا نعرف أن اليد الخفية التى استخدمت اسم الدكتور البرادعى هى القوى المضادة للشعب المصرى، تعمل على تكوين خلايا إرهابية منتمية إلى حزب الله اللبنانى/ الإيرانى تضع الخطط من أجل تدمير السفن فى قناة السويس، ومع الصورة كلها لا يبقى شىء من ذكرى اجتياح سيناء من قبل ثلاثة أرباع مليون من الفلسطينيين.
والغريب فى الموضوع فعلاً أن شخصا حقق نجاحه التاريخى استنادا إلى القراءة الدقيقة لملفات بالغة التعقيد، يمكن التحكم فى مبادئه وشخصيته، والمخيب للآمال فى الإصلاح من المجموعة الجديدة أنهم يتحولون إلى جماعة يحكمها أحاديث الفضائيات التليفزيونية.
ولا أعتقد أن الدكتور البرادعى كان يعلم الأهداف الخفية التى ظهرت أو ظهر بعضها، فما لديه من علم وخبرة يجعلنا نأبى أن نصدق ما يحدث نظراً لما لديه من علم وخبرة، ولكنه كان ضحية لجماعة سياسية ظلت دوما على هامش الحياة السياسية المصرية لأن من أهدفها الأساسية:
1- تمزيق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والعودة مرة أخرى إلى حالة الصراع والحرب مع إسرائيل والعالم الغربى.
2- ووسيلتها إلى تحقيق هذا الهدف هى استخدام وسائل الإعلام بكثافة شديدة من أجل التشهير والتجريح ، بسبب تطبيق الديمقراطية ولو جزئياً.
3- محاولة إقامة دولة الخلافة الإسلامية، برغم عدم وجود شخص واحد يصلح لإقامة العدل بها.
ولذلك كانت دعوتنا إلى "اقتراح إلى عقلاء الجمعية الوطنية للتغيير".
ونقول إن الشعب المصرى على استعداد للمطالبة بمجتمع مفتوح مع تدخل شامل للدولة فى نفس الوقت وهى فى حالة صراع مع العالم كله، ولكننا ننصح ونحذر من محاولة الدعوة إلى مخالفة الدستور بالقوة لأن هناك جيش قوى سيدافع بموجب نصوص الدستور عن النظام الدستورى، ونادينا بحوار عائلى يسمح بتطبيق الأمل فى التئام الجميع فى حب مصر.. ولم نقصد غير ذالك.
*دكتوراه فى إدارة الأعمال ورجل أعمال.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة