البيوت خراب.. ورصيف الاعتصام دم

الخميس، 27 مايو 2010 10:44 م
البيوت خراب.. ورصيف الاعتصام دم البيوت تنطق بالفقر ولامكان لهم حتى على باب الحكومة
رانيا فزاع و انتصار سليمان - تصوير - محمود حفناوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل يمكن أن تترك بيتك وتخرج لتبيت فى عرض الشارع وعلى الرصيف عشان حضرتك بتهزر؟ أو عندك وقت فراغ مش عارف تقضيه إزاى؟ أكيد لأ.. ضع نفسك موضع عشرات النائمين على الأسفلت أمام مجلس الشعب، الذين ارتضوا الجلوس بملابسهم الداخلية وتمزيقها، وفكر ما الذى يمكن أن يدفعك إلى هذا.

ظهر الأحد الماضى كان المعتصمون على أرصفتهم كالعادة، يمارسون طقوسهم الاحتجاجية لعل وعسى تنظر إليهم عين وزير أو مسؤول، وتقرر أن تساعدهم فى نيل حقوقهم، وبدلا من أن يحدث ذلك فوجئوا بقوات الأمن تضرب وتضرب وتمنعهم من تنفيذ واحدة من طقوس اعتصامهم أمام البرلمان.

ضربات الأمن القاسية لم ترحم حال المعتصمين ولا ضعفهم، ولو كان أحد من رجال الأمن بصحبتنا قبل أيام ونحن نزور بيوت المعتصمين لأصدر قراراً فورياً بعدم التعرض لهؤلاء الذين يسكنون بيوتا من الفقر بيوتا بلا شبابيك ولا مطابخ ولا دورات مياه.. بل إنها جحور تسكنها أسر وأكشاك تعيش بها عائلات.

«اليوم السابع» استطاعت بصعوبة إقناع عدد من المعتصمين بفض الاعتصام لساعات قليلة والدخول إلى بيوتهم، التى اكتشفنا أنها هى أيضا.. معتصمة!

فى يومه الثالث للإضراب عن الطعام وعودته من المستشفى صباحا وافق إبراهيم غريب أحد عمال شركة المعدات التليفونية المعتصمين منذ أكثر من 40 يوما على فض الاعتصام لمدة ثلاث ساعات وإجراء حوار مع «اليوم السابع» فى بيته بمدينة مايو. بيت إبراهيم عبارة عن شقة صغيرة بأحد البلوكات، مكونة من غرفتين وصالة وأثاث بسيط، جلس الأبناء الثلاثة مازن ثلاث سنوات، ورنا خمس سنوات، وشيماء فى الصف الثالث الابتدائى، فى «حجر» أبيهم وفى حضنه فهذه المرة تأخر عليهم كثيرا فى «الشغل»، فعقولهم الصغيرة لم تستوعب بعد موضوع الاعتصام وسببه، وكل ما يعرفونه هو أن بابا فى الشغل بينام ويشتغل كتير علشان يجيب لهم الأكل والحلويات اللى بيحبوها.

البيت كله فى الاعتصام، هكذا يقول إبراهيم، مضيفا: بمجرد أن بدأت الاعتصام تغيرت حاجات كتيرة فى حياتنا، كنت موظف عادى أعمل بمواعيد مستقرة نسبيا وأقضى باقى اليوم فى بيتى مع أولادى، واليوم تركت بيتى وتفرغت لقعدة الرصيف ولن أتركها قبل أن أحصل على حقى كاملا، مادخلتش البيت من وقت الاعتصام غير مرة واحدة يوم ما قبضت راتبى المتأخر فى الشركة أربعة شهور فقمت بتسليمه لزوجتى التى تتولى تدبير أمور البيت فى غيابى ورجعت لرصيف مجلس الشعب أكافح وأعرض حياتى للخطر علشان حقى وحق أولادى.

لا نطالب بشىء سوى الحقوق، فنحن نعمل فى الشركة منذ عشر سنوات بعقود دائمة، واليوم ترفض الشركة معاملتنا كزملائنا المعينين الذين خرجوا على المعاش المبكر، وتصر على تنفيذ اتفاقية ظالمة لنقل العمال بعقود مؤقتة إلى الشركة المصرية للاتصالات.

يتابع إبراهيم حديثه بحسرة قائلا: كان راتبى لا يتعدى 800 جنيه شهريا غير متضمنة حوافز أو أى علاوات أخرى، ورغم أنها لا تكفى احتياجاتنا فإننا كنا نحمد الله ونردد دائما نحن أفضل من غيرنا، يكفى الاستقرار والمرتب الثابت، فإيجار هذه الشقة الصغيرة 350 جنيها شهريا تزيد سنويا حسب رغبة المالك، وباقى الراتب يكاد يكفى مصاريف الأكل والشرب ونتحايل على ما يطرأ من مصاريف العيد ورمضان والمدارس... وباقى الأزمات التى لا تنتهى بالجمعية والسلف وربنا بيدبرها من عنده.

إبراهيم يرى أن حال بيته أفضل كثيرا من حال بيوت زملائه، وبالفعل يأخذنا إبراهيم إلى بيت زميله فى العمل شاكر عزت الذى يتكون من غرفة وصالة فى الدور الثالث، لكن حظه أفضل قليلا من إبراهيم لأن البيت ملك لحماه الذى رفض أن يأخذ منه إيجارا، فجعل من الصالة غرفة للمعيشة والضيوف، والغرفة للمطبخ والنوم هو وزوجته وأولاده، لكن إبراهيم ظل يداعبه، مشيرا إلى الأرض: »عندك سيراميك يا أبو ديدى ده انت غنى بقى، هبلغ الشركة انك مش محتاج لفلوسهم».

ومن مايو إلى عين الصيرة، فبعد اعتصام دام 15 يوما نام فيها ياسر محمود على 30 سنة أحد المعاقين المعتصمين أمام مجلس الشعب على الرصيف فى البرد مطالبا بحقه فى شقة من مساكن الشباب.

يواصل ياسر حكايته: أتت الباحثة لتزور غرفتى فى عين الصيرة ولكنها رأتها مناسبة للسكن وكتبت فى تقريرها: «لا يستحق» لتضيع منى الفرصة فى الحصول على شقة أتزوج فيها لتستقر حياتى التى لا تستقر. انتقلنا مع ياسر إلى غرفته لنرى ما رأته الباحثة، فوجدنا غرفة 2*2 متر بها سرير صغير ومنضدة ودولاب مكسور.

يعمل ياسر فى أحد المستشفيات الخاصة عامل خدمات براتب 175 جنيها شهريا يدفع منها 100 جنيه إيجارا لهذه الغرفة التى أجرها من سنتين.

السؤال الذى لم نجد إجابة عنه هو: ماذا رأت الباحثة الاجتماعية فى غرفة ياسر أو حياته جعلها ترى أنه لا يستحق؟!، ومن عين الصيرة إلى الخصوص، حيث يسكن أيمن عرابى 41 سنة أحد المعتصمين من شركة أمونسيتو فى شارع ضيق وفى بيت مكون من 3 أدوار غير مكتملة البناء، السلالم بدون «درابزين»، ولا يوجد فى شقته أبواب غير باب الشقة، أما بقية الغرف وحتى الحمام فأبوابها عبارة عن «قطعة من القماش يمكن تسميتها مجازا ستارة». لم يتوقف أيمن أثناء الحديث معه عن رفع يده للسماء وتقبيلها بحمد الله ويستكمل: «أنا ما لقتش حاجة أعملها بعد كده غير إنى أفتح محل صغير فى البيت، لانى عايش فى بيت عائلة وببيع فى المحل صابون وزيت، ودخلى منه بيوصل لـ200 جنيه فى الشهر أو أكثر حسب ما ربنا يكرم، هنعمل إيه أدينا عايشين، ممكن نجيب ربع كيلو لحمة فى الأسبوع أو نأكل «أجزاء» من «الفراخ» أجنحة وقطع صغيرة أنا وعيالى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة