كنا قديما نتفوه بمقولة إن مصر هبة والنيل وأن النيل ناجشى نسبة إلى النجاشى ملك الحبشة لكن دوام الحال من المحال فقد تغيبنا عن أخواننا الأفارقة فى الدعم، وخاصة مع دول حوض النيل الذين كانت غضبتهم شديدة فقد استبعدوا مصر عن مخططهم المائى فى غفلة من أمرنا وانسحابنا وانسلاخنا من جلدنا ومن القارة الأفريقية بعامة سمح بذلك لإسرائيل أن تجد فرصة للاصطياد فى الماء العكر متحينة الفرصة بين الثانية والثانية لإقامة وصال وحبال المودة بسيل من العطاء لهذه البلاد، وأن تضرب مصر تحت الحزام بقوة، ساعتها فقط استفقنا وأفقنا من سباتنا العميق، وبدأنا نكيل الاهتمامات ونستعرض القوة ضد توقيعها الاتفاقية التى أبرمتا بإقامة السدود والتى ستؤثر على مصر شئنا أم أبينا وبعد فوات الأوان رحنا نتكلم عن الحقوق التاريخية والجغرافية والملوخية والأرز بالمهلبية، فالذى دفع إسرائيل لعمل ذلك هى أنها تعرف أين هى من أزمة المياه وكيف تكون أداة للضغط على مصر كما أنها تعرف قيمة المياه العذبة، فالقسم الأكبر من المياه العذبة التى تحتاجها إسرائيل يأتيها من بحيرة طبرية الغنية أيضاً بالأسماك، وتعد بحيرة طبرية بالنسبة للمسيحيين بحيرة المسيح، حيث استلهم وصيته وأسطورته. فهى لا تكفى احتياجاتها ومن ثم أقامت عدة مشروعات (معظمها تجريبية) لتحلية مياه البحر المالحة، أو تخفيف ملوحة المياه التى يتم ضخها.
وفى إيلات يوجد مشروع مزدوج الأهداف فهو يقوم بتحلية المياه أما نحن فقد غبنا فى مياه البطيخ نسبح كما نشاء معتمدين على التاريخ وعلى ما أبرم عام 1929 من قبل الحكومة البريطانية -بصفتها الاستعمارية- نيابة عن عدد من دول حوض النيل (أوغندا وتنزانيا وكينيا) اتفاقًا مع الحكومة المصرية يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وإن لمصر الحق فى الاعتراض (الفيتو) فى حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده، وتبع هذا اتفاقية مصرية سودانية عام 1959 تعطى لمصر حق استغلال 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل إلى السودان ليتبقى للخرطوم 18 مليار متر مكعب من مياه النيل. ومنذ استقلال دول حوض النيل وهناك مطالبات متزايدة من جانب حكوماتها بإعادة النظر فى هذه الاتفاقيات القديمة، بدعوى أن الحكومات القومية لم تبرمها ولكن أبرمها الاحتلال نيابة عنها، وأن هناك حاجة لدى بعض هذه الدول خصوصًا كينيا وتنزانيا لموارد مائية متزايدة؛ حتى إن دولة مثل تنزانيا أعلنت منذ استقلالها أنها ترفض هذه الاتفاقية من الأصل، ولا تعترف بها، بيد أن الرد المصرى كان دومًا يطالب باحترام الاتفاقات التاريخية المبرمة كى لا تتحول القارة الأفريقية إلى فوضى.
وقد ظلت دول منابع النيل (خاصة تنزانيا وكينيا وأثيوبيا) تطالب دومًا بتعديل الاتفاقية، وتهدد بتنفيذ مشروعات سدود وقناطر على نهر النيل تقلل من كميات المياه التى ترد إلى مصر، بيد أن هذه التهديدات لم ينفذ أغلبها وظللنا فى البلوظة نائمين بحجة أنهم لن يستطيعوا عمل شىء بيد أن هناك مقدمات كزيارات مسئولين إسرائيليين لهذه البلاد.
ولكن وضعنا أذن من طين وأخرى من عجين مستعرضين عضلاتنا ومازلنا تستعرض فى خفة ودلع أن مصر هى مصر لا يمكن الاقتراب منها.
نحن فى منعطف جديد وتطورات تحدث وقد تخلفنا عن الركب مع باقى القافلة نستعرض الجاه والسلطان، ورحنا نهدد بالقضايا والمحاكم التى قد تطول بعد خراب مالطة بدلا من أن تخذ منهجا سياسة جديدا نضرب بها مخطط إسرائيل وما تسعى إليه فالدهاء لا يعالجه إلا الدهاء والحجة بالحجة دون استعراض العضلات .
ماذا لو كنا قد أقمنا علاقات أكثر ودية وحميمية مع دول حوض النيل فى كل المجالات فنحن لا نعرفها إلا من خلال الرياضة، فهل نتخيل أن نهر النيل يجف أو تقل حصته عن المعدل الذى فى الحقيقة لا يكفى 55 مليار متر مكعب فهو ذاته الحد الأدنى للفقر المائى
فماذا بعد عنترية القرارات؟ أم يأتى يوم ونقول فيه أن النيل ماجشى؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة