أكرم القصاص - علا الشافعي

د. خميس الهلباوى

قطارات التغيير!

الإثنين، 24 مايو 2010 06:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعجبنى تعبير جيد فى مقال يحذر فيه السيد رئيس تحرير اليوم السابع من ركوب القطار الأمريكى للتغيير، وتذكرت أن قطارات التغيير كثيرة ومتنوعة هذه الأيام، وسبق أن ركبنا جميعاً الشعب المصرى كله بكامل فئاته قطار التغيير المصرى الوطنى الأصيل بقيادة جماعة من قواد الجيش المصرى سنة 1952، وكان الشعب المصرى قبلها يرضخ تحت وطأة الاستعمار الأجنبى وأعوانه من الخونة، وسيطرة رأس المال المستغل، والإقطاع الزراعى.

ولن أكرر وصف صور المعاناة التى كان يعيشها شعب مصر آملا فى انبثاق فجر جديد، يأتى عن طريق قطار تغيير الوضع القائم فى ذلك الوقت قبل 1952، وكان قطار التغيير يحمل أهدافا ومشروعات ورؤى طمأنت الشعب المصرى كله فركب قطار التغيير، وفرح فرحة غامرة واغتبط واطمأن بالتغيير الذى سيجلب الخير والنماء والرفاهية والديمقراطية الكاملة للشعب المصرى، كما وعده قادة التغيير فى ذلك الوقت.

ولكن ومع الأسف حدث الكثير من الأخطاء، ليس من الشعب المغلوب على أمره ولكن من قادة قطار التغيير، الذين ألقوا من القطار جميع الخبراء القادرين على قيادته أو مساعدتهم فى قيادته بسلام وأمان من شبابيك القطار، وقاد القطار هواه لا يملكون من الخبرة ما يكفى للوصول لمحطة الرفاهية والنماء والرؤى الطيبة والديمقراطية بسلام ونجاح، ونزل معظم الشرفاء من القطار وانتظروا على محطة التغيير لوصول قطار آخر.

وتخبط قادة القطار فى الطرق التى يجب أن يسلكوها، وانحرف القطار عن مساره، وأصبح يسير بلا هدى إلى المصير المظلم الذى يعيشه الشعب حالياً، آملا فى زيادة سرعة القطار الحالى أو وصول قطار جديد بعد أن تحولت أحوال الشعب الذى اطمأن لقيادته المصرية، وأصبح أكثر فقرا وأقل ثقافة، وأصبح أسيرا فى يد قادة قطار التغيير الوطنى الذى ما زال يترنح ببطء شديد فى سيره نحو تحقيق أهدافه التى أعلن عنها، وكبتت جميع حريات الشعب بدعوى أنه "لا يعلوا صوت فوق صوت المعركة"، وتحول حاله كل يوم من أسوأ إلى الأسوأ بفعل الفساد الذى يمارسه بعض المتطفلين ممن ركبوا قطار التغيير الأول، ويتشبثون به، أو ممن تملقوا القيادة السياسية تحت ستار رجال الأعمال "من أهل الثقة"، ولكنهم مارسوا الفساد والإفساد لكل شىء.

ونظرا لأن الشعب يتوق بطبيعته إلى الحرية، حاولت قيادة القطار القديم الذى انطلق منذ سنة 1952 توفير مساحة حرية رأى أكبر لركاب القطار، ومساحة أقل لباقى المنتظرين على محطة التغيير وهم الشعب المصرى كله، بدأ الشعب يبحث مرة أخرى ويتوق إلى قطار تغيير آخر أسرع يمكن أن يوصله إلى بر الأمان والاستقرار والرفاهية وإلى الموقع الذى فقده بالقيادة الوطنية لقيادة قطار التغيير السابق، بشرط أن يكون قطار التغيير المنتظر أكثر شفافية ونقاء ولا يركبه إلا مواطنون صالحون فقط، وفوجئ الشعب المصرى الحقيقى بالعديد من قادة قطارات التغيير الجديدة التى تدعى قدرتها على تحقيق الأهداف السامية للشعب المصرى بأسرع ما يمكن، واستند بعضها إلى بعض القوى الدولية الأكثر رفاهية وتقدما، وفوجئ الشعب بأنواع كثيرة مثل:

قطارات، إما يقودها قائد واحد لا يملك من مقومات القيادة أى ثقافة اللهم إلا تغيير رئيس الدولة والجلوس مكانه فقط، ومجموعة هواة لا يستطيعون قيادة حياتهم الخاصة، ومن خلفه دول أجنبية لها مصلحة مباشرة فى تعطيل قطار التغيير المصرى الأول الذى انطلق سنة 1952، وهو قطار صغير يحمل عدة آلاف لا تمثل الشعب ولا يشمل الفئات الحقيقية من الشعب المصرى التى تحتاج للتغيير الحقيقى فى الأفراد والوسائل، وهذه القطارات لا تؤدى فى نهاية رحلاتها إلا إلى محطة تل أبيب.

وقطارات دينية إسلامية ومسيحية قبطية لا تمثل إلا مجموعات صغيرة لا تشعر بمعاناة الشعب بقدر رغبتها وتعطشها للتحكم فى السلطة، والقطار الذى يؤدى فى النهاية إلى الجحيم لمن يركبه، وكان بعضها سببا مباشرا فى فشل القيادة الوطنية الأولى فى إحكام قيادة قطار التغيير، مما جعله ينحرف عن مساره بسبب شغل تلك القوى له ففقد الطريق، وآخر طريق هذه القيادة يؤدى إلى القضاء على الأخضر واليابس، وإزكاء الفتنة الطائفية، خاصة أنهم قد فشلوا فعلا فى قيادة قطارهم، وهو يحمل عددا قليلا جدا من الركاب الذين يصدقونهم، ولا يمثلون الشعب المصرى الحقيقى، وهذا القطار صغير الحجم، ولا يسع شعب مصر ولا يمكن لشعب مصر أن يضحى بمجرد التفكير فى الركوب فيه هروبا من فشل آخر.

وظهرت فلول من قيادات قديمة استخدمها سابقا قادة قطار التغيير الأول الذى انطلق سنة 1952 لمساعدتها فى قيادة القطار، وكانت هى الأخرى سببا مباشرا فى الفشل، تلك الشراذم تجمعت ومعها جميع من لم يستطيعون إيجاد مكان لقيادة القطار الذى يتهادى حاليا محاولا عمل تغييرات على استحياء، وهو يحاول الجمع بين التغييرات وبين المحافظة على الأمانة التى ورثها من القادة القدامى للقطار القديم، واستغلوا عودة رجل صالح وهو الدكتور البرادعى الذى يحمل من الصفات ما ينأى به عن أى خلل عقلى أو منطقى، وبالرغم من أن قطار التغيير الذى أعلنوا عنه لا يحمل أكثر من عدة آلاف بسيطة من فئات خاصة معينة تهتم بقشور السياسة، ولكن كل له هدفه الدفين فى قرارة نفسه، وجميعها بعيدة عن الأهداف الحقيقية للشعب المصرين، لأنها جماعات لها أولوياتها الدفينة التى تضمرها وليس بينها مصلحة الشعب المصرى.

واستند الجميع إلى القوى نفسها التى دمرت مسيرة الشعب المصرى الأولى التى بدأت سنة 1952، وتسببت فى تعطيل كل شىء، وراحوا يكيلون لقادة التغيير البطىء بمكاييل غربية مستوردة لا تليق بشعب أصيل مثل الشعب المصرى، ويطمئنون السذج من شعب مصر بحمل العلم الأمريكى والإيحاء بأنه مبعوثو الديمقراطية والرفاهية من العم سام للشعب المصرى، ونسوا أو تناسوا أو يجهلون أن أمريكا وضعت أنفها سابقا فى الكثير من دول العالم، ولم يحدث فى التاريخ القديم ولا الحديث أن تقدمت دولة تحمل علم دولة أخرى وخاصة أمريكا للقيام بالإصلاح، ولكن الأمر ينقلب برغم النوايا الحسنة إلى بحور دماء فى تلك الدول وإلى التقسيم وإضعاف شعوب العالم لصالح العم سام ولعم صهيون.

أمريكا لها إستراتيجية درستها فى خلال دراساتى السابقة باستخدام ثقافتها التى توضع فى عقول من تربوا أو تعلموا فيها أو تثقفوا فى معاهدها المنتشرة فى أنحاء العالم لا لتنمية الشعوب، ولكن لقلب النظم الوطنية باسم الحرية والديمقراطية، والأدلة كثيرة ومنتشرة فى الكثير من دول العالم التى عانت من استيراد ديمقراطياتها من أمريكا.

لقد كنت أتمنى أن أرى قطاراً سريعا جدا للتغيير ليس لتغيير الأفراد فقط فى ظل ظروف دقيقة، ولكن تغيير الأفراد والوسائل والخطط، انظروا إلى (مهاتير محمد(، ولد فى 20 يونيو 1925، كان رئيس وزراء ماليزيا فى الفترة من 1981 إلى 2003، له دور رئيسى فى تقدم ماليزيا بشكل كبير، إذ تحولت ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعى الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلى الإجمالى، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من إجمالى الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التى تسير فى الشوارع الماليزية، وما فعله مهاتير محمد (بدون قطار تغير أمريكى)، لم يعتمد فقط على تغيير الأفراد، صحيح أن الحزب الوطنى به مصريون ليسوا بمشاعر المصريين الحقيقيين، ولكنهم ركبوا قطار التغيير الذى انطلق منذ 1952 وما بعده وتملقوا للسلطة، ونظرا لكونها ترغب فقط فى أهل الثقة ولا تثق كثيرا فى أهل الخبرة، وهو أحد العوامل الرئيسية لفشل تلك القيادة فى الوصول إلى بر الأمان، ولكنها الآن تحاول بتغيير نظام التعليم، ولكن المثل يقول موت يا حمار....

لذلك فإننا نطالب بسرعة التغيير وموضوعيته وفعاليته، تغيير جميع الفاسدين، وتغيير جميع المرتشين والاستشاريين الخونة والجهلة من رجال السلطة، والتخلى فوراً عن النظرة الضيقة لأصحاب الخبرة، والتخلى عن أصحاب الثقة الذين جنوا على الشعب المصرى، وتغيير السياسات والخطط والوسائل، واسترداد كافة ما سرق من الشعب المصرى لصالح مصر وشعب مصر، نريد من القيادة السياسية أن تراجع نفسها، وتبحث فيما فعله مهاتير محمد لتنزانيا بدلا من هذا الجمود الذى لا يؤدى إلا إلى الانفجار.

* دكتوراه فى الإدارة ورجل أعمال.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة