يمثل الدين أهمية خاصة فى حياة الإنسان، وإذا كان بالضرورة بالنسبة للفرد فإنه من الأهمية بمكان بالنسبة للمجتمع، وقد بات من المسلم به قديما وحديثا أنه لا يمكن لأى مجتمع أن يحقق توازنا دون الدين وقد فشلت تجارب الشعوب التى حاولت تنحى الدين جانبا وانهارت أنظمتها.
ويأخذ الدين فى إسرائيل ودعاته خصوصية لا نظير لها فى عالمنا المعاصر، فقد كان الإدعاء بالحق الدينى لليهود بفلسطين إحدى ركائز الصهيونية التى قامت بتضليل العالم وخداعه، وكان الدين هو القاسم المشترك للمنتمين لليهودية قبل إحلال إسرائيل على أرض فلسطين، وأصبح الدين دعامة هامة للمجتمع الإسرائيلى المشكل من شتات من ينتمون لهذا الدين.
ولا تزال الأصوات الإسرائيلية حتى اليوم تصرخ من وقت لآخر بيهودية إسرائيل وخصوصيتها بغرض محاربة من هم غير اليهود.
وعلى الرغم من الدور المؤثر للمتدينين والطوائف الدينية فى مسار الحياة السياسية بإسرائيل والصراع الدائم مع العلمانيين إلا أن الواضح والمؤكد أن إسرائيل ليست دولة دينية وهى بعيدة كل البعد عن هذه الصفة، فالشواهد تؤكد على ذلك حيث إن الأغلبية الحاكمة من العلمانيين الذين يحملون ثقافة غربية ومصدر السلطة هو الشعب وليست التوراة.
والصهيونية هى فى الواقع الدين الذى اتخذته إسرائيل لنفسها، ولم تكن التوراة إلا معينا بقدر يخدم مخططاتها من خلال اقتباس نصوص دينية تناسب إسرائيل وما تربو إليه، فقد أخذ قادة إسرائيل ومفكروها من التوراة كل ما يؤدى إلى الحروب، ويثير الحقد ، ويعمق الاستعلاء ويبرر سياسة قتل من هو غير يهودى.
وأحدث هذه التوجهات الصهيونية المصوبة تجاه من يطلقون عليهم "الأغيار" اعتمادا على نصـوص توراتيـه وتلمودية منتقاة لإضفاء شرعية على القتل والسرقة والنهب، صدور كتاب تحت عنوان "شريعة الملك" لمؤلفه العنصرى اسحق شابيرا حيث يدعو إلى قتل "الأغيار" واعتبار ذلك بمثابة فريضة دينية واجبة على كل يهودى.
وبالطبع فإن هذا لم يمر مرور الكرام أمام أستاذ الدراسات العبرية بمصر والعالم العربى وهو بمثابة قائد لحائط الصد لمواجهة هذه التيارات السامة ضد العرب العالم الجليل أ.د إبراهيم البحراوى، حيث قام بتشريح وفضح ما جاء بهذا الكتاب ولا يألو جهدا مع مجموعة من الباحثين لفضح هذه المؤامرات المصوبة نحو العرب جميعا بإنجاز عمل ينير الطريق معرفيا أمام الجميع.
وفى الوقت الذى تعلو فيه أصوات حكومة نتانياهو اليمينية بتعميم كلمة "يهودية" على القدس وحتى إسرائيل كلها أى تطبيق الدين اليهودى وهويته، نرى أن وزارة الخارجية تصدق وبشكل رسمى على تعيين سفير شـاذ مع مثيلـه، يمثل إسرائيل فى لوانـدا (اسحق ايزى يانوكا 44 عام) وحسب صحيفة (يديعوت أحرونوت 24 نوفمبر 2009) سيسافر السفير مع مثيله الذى يتمتع بكامل حقوق الزوجة من ناحية المراسم الدبلوماسية حيث أوردت الصحيفة صورة السفير ومثيله فى إحدى المناسبات الاحتفالية فى فترة عمل دبلوماسية سابقة فى البرازيل (السفير يانوكا مع مثيله جولدشتين- زواج مدنى 1995).
وعليه لا غرابة من قرار كهذا يصدر من المتطرف ليبرمان وزير خارجية إسرائيل المعروف بتاريخه الإجرامى ويعطى شرعية للشذوذ الذى ترفضه كل الأعراف وأبسط قواعد الأديان ونورد هنا فقرة واحدة من فرع من فروع الديانة اليهودية وهو التلمود (6/7 (11 قسما) المبحث السابع تحت عنوان "كريتوت" ومعناها "القطع". والقطع فى اليهودية يقابل الحرم فى المسيحية والكفر فى الإسلام، ويمثل هذا الخروج عن ثوابت الدين ويستحق العقاب وهناك 36 ست وثلاثون حالة قطع وردت فى التوراة: "من يضاجع أمه أو زوجة أبيه، أو كنته (زوجة ابنه) أو ذكرا مثله... إلخ).
وعليه فنحن أمام حالة شذوذ على مستوى دبلوماسى تمثيلا لهذه الحكومة اليمينية المتطرفة بإسرائيل، وهذه إحدى صور المجتمع الإسرائيلى وصانعى القرار فى الوقت الراهن، ولكنه السوس الذى يأكل فى صلب هذا الكيان ناهيك عن الصراعات الطائفية وغيرها.