أثناء الحرب الباردة، يحكى أن الولايات المتحده والاتحاد السوفيتى فى محاولة للتقارب بين الشعبين نظما لقاءً رياضياً ثنائياً فى ألعاب القوى، فاز فيه الفريق الأمريكى على نظيره السوفيتى، الصحافة الأمريكية أعلنت أن أمريكا حصلت على المركز الأول، بينما جاء الروس فى المركز الأخير، بخط عريض، قالت الصحافة السوفيتية أن الاتحاد السوفيتى حصل على المركز الثانى، بينما احتلت أمريكا المركز قبل الأخير! كلا الخبرين صحيح لكن كلاهما يفتقد إلى الدقة.
هناك المئات من الحالات المشابهة فى صحافتنا وفى حياتنا السياسية، البعد عن الدقة قد يكون مقصوداً بغرض التضليل أو التعتيم أو مدفوعاً بالوهم كما فى الحاله السابقة، وقد يكون غير مقصود، أى أن عدم الدقة يكون ناتجاً عن التسرع أو عدم الفهم أو سوء ترجمة... إلخ، هناك حاله أخرى، وهى مصطلحات كانت دقيقه لكن الظروف تغيرت فأصبحت شعارات مضحكة.
" إلغاء الطوارئ وقصرها على الإرهاب والمخدرات": كان هذا أحد عناوين الصحيفة القوميه، فرحت بكلمة "إلغاء" وتساءلت عن معنى كلمة "قصرها" مع إلغائها؟ فى اليوم التالى جاءت الإجابة من عنوان نفس الجريدة "مجلس الشعب يوافق على مد الطوارئ عامين"! مقصود أم غير مقصود؟
"مصر لا ينفع معها إلا رئيس قوى": هكذا كتب رئيس تحرير صحيفة قومية مبرراً كل السلطات التى منحها الدستور لرئيس الجمهوريه! وكأن الدول الأخرى تزدهر فى وجود رئيس ضعيف هلفوت مهتز، أو كأن القوه تعنى الإمساك بجميع الخيوط أو أن الشعب المصرى مختلف عن الشعوب كلها ويجب معاملته كالأطفال، طبعا نسى الكاتب أن لو كان هذا صحيحاً، لكان اعترافا منه أن الغرض الوحيد من صحيفته هو التسليه وأنه كاتب حواديت أطفال!
"الحكومة ليست ماما وبابا": من أقوال الدكتور نظيف المأثوره، طبعاً هو يقولها ردا على مطالب الشعب و لا يقولها عند الكلام عن صلاحيات الحكام و وعودهم. يبدو أنه نسى أن الحكومه التزمت بالتعليم و التعيين و التأميم قبل الخصخصه والحزب الواحد قبل أن تعطى نفسها الحق فى السيطرة على قيام الأحزاب وكبلت الحريات لسنوات طويلة قبل أن تسمح للناس أن يتكلموا فى حدود معينة وحتى الانتخابات تتحكم فيها. الحقيقة أن حكوماتنا أقرب إلى ماما وبابا لأننا لا نختارها!
صحيفة يومية مستقلة خرجت بهذا العنوان "لجنة الحريات الأمريكية: مصر الثانية عالمياً فى انتهاك الحقوق الدينية"، الحقيقة أن التقرير الأمريكى أدان قائمة من ١٣ دولة و جاء بقائمة أخرى لـ١٢ دولة تحت المراقبة وكانت مصر فى القائمة الثانية! انهالت التعليقات على الموقع الإلكترونى وكان واضحاً أن المفهوم من الخبر أن هناك دولة واحدة تحتل مرتبة أسوأ من مصر فى التقرير، عندما أرسلت تعليقاً للصحيفة يلفت النظر لعدم الدقة، لم ينشر رغم نشر أكثر من ١٢٠ تعليق؟
"السادات قال إنه آخر الفراعنة": رئيس مجلس إدارة الصحيفة القومية ردد هذه المقولة فى أكثر من مقال، الغرض هو أن يعطى انطباعا أن الرئيس مبارك ليس فرعوناً - السادات هو من قال! لكن نسأله :فى ٣٠ سنة، كم مرة اختلف مجلس الشعب مع الرئيس؟ هل هناك شيئاً يحدث بدون توجيهات الرئيس؟ كم مرة قرأنا نقداً موضوعياً للرئيس فى صحيفة قومية؟ إذن صحيفتك تعامله كأنه منزه من الخطأ.
"الصحف القومية": صورياً هى قومية، فعلياً هى حكومية، الحزب المهيمن يعين رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير، الصحف الحكومية تنشر بعض مقالات النقد الخجول للنظام، لكن فى حدود ضيقه وبخطوط حمراء واضحة، صفحات الرأى لا تمثل كل الاتجهات الفكرية ولو بنسب بسيطة. إذا كان وصف "القومية" دقيقاً، هل تعلن ميزانيات الصحف القومية وكشوف الأرباح والخسائر وأرقام التوزيع ومرتبات كبار موظفيها؟
"التعليم المجانى": ربما كان كذلك من ٣٠ سنة.
"الجماعة المحظورة": تابعنا اختيار المرشد الجديد فى الصحف، نعلم عدد وأسماء أعضاء مجلس الشعب المنتمين للجماعة وفى نفس الوقت نقرأ عن القبض عن بعض المواطنين بتهمة انتمائهم للجماعة المحظورة، ثم قرأنا عن صفقة بين الحكومة والجماعة قبل انتخابات ٢٠٠٥!
"برامج الإصلاح": الحزب الوطنى يفخر أنه يقود حركة الإصلاح فى السنوات الأخيرة، هل معنى هذا أنه قاد حركة الإفساد من قبل؟
"الديمقراطية الكاملة بنسبة ١٠٠٪ لها عيوبها.. وثغراتها": هكذا كتب رئيس تحرير الصحيفة القومية عن ديمقراطية بريطانيا موحياً أن الحزب الوطنى أنقذنا من هذه العيوب!
"مبارك يقف معنا فى تصحيح أى أخطاء أو كوارث": مع من تتوقع أن يقف؟
"عادت القاهرة لممارسة دورها التاريخى كقوة داعمة لمصالح أمتها بعد أن تعافى الرئيس حسنى مبارك من العارض الصحى": مصر أخذت إجازة مرضية؟
"ربط زيادة الإنتاج بالأجور": كلام صحيح و لكن أين كان الأعوام الماضيه؟ وماذا عن الدخول الضخمه للموظفيين المحظوظين والتى يقال أنها أضعاف مرتبات وزراء أمريكا؟
"الاحتجاجات والاعتصامات تعود إلى حرية التعبير": ما الأسباب الجذرية لتفاقمها؟ ولماذا تتجاهلها الحكومة؟ وماذا عن المظاهرات و المسيرات السياسية السلميه الممنوعة؟
لا بديل عن الوعى فى مواجهة هذه الظاهرة، لا يمكننا الاعتماد على مصدر واحد للمعلومات أو الأخبار أو التحليلات ولا الثقة العمياء فى أى مصدر، ثم إعمال العقل، وأخيراً، اتخاذ الخطوات المناسبة لتصحيح أنصاف الحقائق.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة