د.رضا صالح يكتب: أنا الدولة والدولة أنا

الأحد، 23 مايو 2010 10:22 ص
د.رضا صالح يكتب: أنا الدولة والدولة أنا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تزال هذه المقولة- التى قالها لويس الرابع عشر - تلقى بظلالها حولنا؛ بل وربما مازلنا نعيش تحت كامل معانيها، وخصوصا فى الكثير من دول العالم الثالث؛ أو ما يسمونه هكذا! الأدلة على ذلك كثيرة، ما أن يفكر أحد من السادة المسئولين الكبار أن يقوم بزيارة مبجلة إلى مكان ما تحت إمارته، إلا وقد اصطفت الجنود والعسس على الجانبين، وفرشت الأرض بالرياحين؛ وخرجت أصص الورود والشجيرات من مكامنها بالمشاتل التى لا يستفيد منها الشعب بشىء؛ ولا يراها إلا فى هذه المناسبات المقدسة!! لتعلن عن وجودها المهين ووظيفتها البائسة، وهى أن تكون فى انتظار السادة أصحاب الفضيلة من المسئولين الكبار إذا ما أرادوا كل حين ومين أن يرأفوا بحال الناس ويهبطوا إليهم من عليائهم لينظروا فى مصالحهم.

إحقاقا للحق فإن هناك من المسئولين من يهمه ضميره الواعى الذى يكلفه- فى كثير من المواقف - ما لا يطيق، وهؤلاء قلة قصيرة العمر فى الحياة السياسية، وهناك أيضا من المسئولين من يخشى اتخاذ قرار هو فى صلب وظيفته واختصاصه، و من ناحية أخرى لا يتورع عن اتخاذ قرارات عجيبة وغريبة ليست ضمن خصائص وظيفته، ولنضرب لذلك مثلاً بكيفية توزيع الأراضى المتاخمة للسواحل، ففى ظنى أن لكل مواطن حق الاستمتاع بالسير وامتلاك الرؤية على امتداد أى ساحل، ولذا نجد معظم الدول التى سبقتنا حضاريا؛ تترك مساحة كبيرة أمام الشاطئ، هذه المساحة - أو هذا الشريط الساحلى - هو من حق أى مواطن داخل الدولة، طالما يطل على بحر أو بحيرة عامة، ولا يجوز لأى من كانت وظيفته أن يمتلك حق تخصيص جزء أو أجزاء من ذلك الشريط الممتد، باتساع الأفق لجهة خاصة أو شخص بعينه؛ ولكن رب قائل: هذه الأرض كانت صحراء جرداء، أو ليس للمسئولين الشكر على جعل الشعب يستفيد منها على هيئة قرى سياحية وفيلات لترويج حركة السياحة؟

نعم هذا كلام فى ظاهره جميل، ولا نختلف على مبدأ تواجد القرى السياحية؛ ولكن كيفية تطبيقه هى جوهر المشكلة، فكما قلت آنفا من المفترض أن يكون هذا الشريط الساحلى ملكا للجميع، ويتطلب هذا لوناً من التخطيط الواعى الناظر إلى المستقبل البعيد، بحيث تأتى القرى السياحية لتكون بعيدة عن الشريط الملاصق للبحر؛ والذى لا يحق لأحد أن يحرم مواطنا منه، يحق للجميع التمتع به والدخول إليه... الآن أيها السادة – وفى عصرنا هذا - تم الاعتداء على حقوق المواطن العادى "البائس" هو أولاده وأحفاده إلى يوم الدين، (فمن سبق فاز بالنبأ) كما يقولون، وكذلك أصحاب الحظوة من مالكى القرى والشاليهات والفيلات سيستمر استمتاعهم بها وبالشاطئ أيضا لتكون ملكا لهم ولورثتهم إلى يوم الدين، لو اتجهنا بالنظر إلى أراضى ساحل البحر الأبيض "الساحل الشمالى" لوجدنا عمليات سطو منظم تتم من أجهزة الدولة لتبيع وكفى! أى والله لتبيع وكفى! ويتلاقى المحبون من البائعين والمشترين فى المؤتمرات والحفلات ليتباوسوا ويهنئوا أنفسهم على ما حققوه من إنجازات.. أى إنجازات تلك التى حققوها؟ هم فى واقع الأمر مدلسون محتالون أفاقون أيضا.. من قال إنك تمتلك كيفما تشاء وأين تريد؟ المال؟ نعم المال يقول ذلك ولكن أين وكيف؟ هذا هو السؤال؛ وهذا هو لب الموضوع.

إن التخطيط السليم لابد أن يراعى كل أفراد الشعب فى كل المواقع، وعلى مدار الأزمنة أيضا، فلا أتخذ قراراً اليوم لتلعننى عليه الأجيال القادمة، بل ربما تكون إرهاصة لحروب طبقية بين من يمتلكون من لا يمتلكون، أماكن لا يجوز أن تقتصر حيازتها على أحد، بل هى ملك مشاع للجميع، كالماء والهواء؛ المصيبة أننا لا نمنعهم من الامتلاك، ولكن أين يمتلكون وماذا يمتلكون؟ هذا هو السؤال مرة أخرى!..

أين الضوابط؟ أين االدراسات؟ أين آراء المفكرين؟ لا توجد للأسف ضوابط ولا نظم محكمة؛ ولا دراسات ولا اعتبار للمفكرين! فقد استولى من استولى ونهب من نهب وتاجر من تاجر على حساب باقى أفراد الشعب، بل وعلى حساب الأجيال القادمة بأسرها.

فى ظنى – كما فى ظن الكثيرين – لا يجوز بيع الأراضى المتاخمة للبحر مباشرة؛ ويمكن بيع الأراضى التالية لها، بمعنى أن يترك الشريط الساحلى ملكا للمواطنين جميعهم؛ وإن لم يحدث، فهى تعتبر جريمة فى حق الوطن تماثلها جريمة بيع جزء من نهر النيل مثلا؛ أو الأهرامات، ألا نتعظ؟ منذ سنوات طويلة مضت كنا قد نسينا شاطىء نهر النيل، لم نتذكر إلا بعد أن تفاقمت المشكلة وكثرت التعديات على النيل، حتى تطبّعنا على التلوث، ولم يعد من حق المواطن العادى أن يتمتع بكورنيش النيل والرؤية اللهم إلا فى القليل جدا من الأماكن، ما أن بدأنا نفيق من سباتنا قليلا، لنستدرك ما فاتنا؛ حتى وجدنا السادة يبيعون الشواطئ؟! الملك العام يا سادة لا يجوز أن يتحول بحال من الأحوال إلى ملك خاص.. هل سمعتم يوما أن فلاناً من الناس اشترى جزءاً من الفضاء؟ هل سمعتم عن فلان اشترى جزءاً من باطن الأرض؟ هكذا الأمر، أعود لأكرر مناشدا وطالبا العودة إلى التخطيط الواعى ومراعاة المواطن العادى فى البقية الباقية من أراضى مصر، وسوف يثمر ذلك عن إحساس جارف بالمواطنة والانتماء، وهو شعور كدنا نفتقده فى فئات عريضة من الناس، والسبب هو عدم المبالاة بمشاعر هذا المواطن العادى.. والدوس على كل ممتلكاته بما فيها حق الرؤية؛ رؤية شواطئ مصر مجانا، وحق الاستمتاع بها أينما وجدت. لن يسوء حال النخبة، لأنهم من الممكن أن يروا ويشاهدوا ويتملكوا بالقرب من الشاطىء وتكون لهم أيضا طرق ودروب لتصل بهم إلى البحر، ومنذ متى تهبط النخبة إلى البحر؟ أليس لديهم قواربهم ويخوتهم وموانئهم وبحيراتهم؟ نحن لا نمانع فى هذا؛ ولكن ندعو لحرية التمتع بالحركة والرؤية على امتداد المسافة من الإسكندرية إلى السلوم، ومن السويس إلى الغردقة وسفاجا ومرسى علم، حتى لا ينقسم الشعب إلى مجموعة فئات، تنقلب على بعضها عما قريب ويلعن بعضها بعضا.

* السويس - طبيب





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة