ومازلنا مع أسامة أنور عكاشة الروائى الذى نقل الرواية إلى شاشة التلفزيون، ومعها أسئلته الكبرى عن الهوية المصرية، عن الفرعونية والقبطية والعروبة، وهل المصرى يحمل وجها واحدا أم أنه يختزن داخله طبقات التاريخ التى تشبه طبقات الأرض الجيولوجية التى تحمل عصورا متراكمة من الثقافة.
فى "أرابيسك" حاول أسامة أنور عكاشة بالإضافة إلى المتعة والتشويق، طرح أسئلة وأفكار ظل مشغولا بها، وتجاوز كونه مجرد مؤلف مسلسلات يبحث عن الشهرة إلى مفكر يطرح الأسئلة والأفكار التى تشغله وتشغل غيره، لم يقدم يقينا أو إجابات جاهزة، بل أسئلة.
فى ليالى الحلمية قدم أسامة أنور عكاشة رصدا أفقيا لمسيرة المصريين من الثلاثينات أو نهاياتها قبل الحرب العالمية الثانية إلى مشارف التسعينات، بكل ما جرى قدم شخصية الباشا بشكل جديد حاول أن ينصف فترة الأربعينات من الإهمال والتجاهل ووضعها فى سياقها، بالرغم من أنه كان مصنفا كناصرى فى ذاك الوقت، كما أنه عالج الخمسينات والستينات بدرجة من الموضوعية، وقدم بانوراما للصراع الاجتماعى والسياسى، وكيف قفز الانتهازيون على سطح السلطة فأفسدوا نيتها الحسنة، تعامل مع هبة السبعينات وكيف بدا اختلاط الحابل بالنابل وبذور الفساد التى ظهرت داخل منجزات الثورة من الستينات، وفى التنظيمات العمالية منتقلة إلى عالم الانفتاح العشوائى فى السبعينات والثمانينات، لقد قدم كيف انحرفت الأشياء عن بداياتها، وكيف تحولت بعض أحلام الثورة إلى كوابيس.
ظل أسامة مشغولا بالأسئلة وتجلى كل هذا فى مسلسل "أرابيسك"، وكيف كانت التساؤلات عن ماهية المصريين، وهل هم فراعنة فقط أم عرب فقط، أم أنهم خليط من الفرعونية والقبطية والعربية، وهل ظلت هذه الثقافات طبقات فوق بعضها أم أنها امتزجت وأنتجت خليطا واحدا.
كانت "أرابيسك" بداية حيرة أسامة أنور عكاشة وأسئلته الكبرى، وانتهى العمل وبقيت الأسئلة قائمة أن مصر يجب أن تكون انصهارا لكل تاريخها وإلا انهارت، كانت بدايات أسئلته عن إعادة بناء البلد، لقد كانت "أرابيسك" مثالا على أسئلة ماتزال مطروحة من أسامة أنور عكاشة وغيره، وماتزال غير قابلة للإجابة.
أسامة أنور عكاشة حاول طرح أسئلته فى مقالات أو حوارات، لكنها لم تكن بنفس قوة وزخم الدراما، لقد كان ناجحا فى الدراما فى أن يطرح أسئلته على لسان أبطاله ووجوههم.
"تغشنا المرايات " كانت جملة فى تتر مقدمة "أرابيسك"، من تأليف الشاعر الكبير سيد حجاب، أحد شركاء أسامة فى المسلسل الذى أخرجه المبدع جمال عبد الحميد، وبطولة الفنان الكبير صلاح السعدنى الذى قدم أحد أهم أدواره. كانت "أرابيسك" تعبيرا عن المرآة التى يرى فيها المصريون أنفسهم، ومدى تأثير تاريخهم الذى لا يمكنهم الهروب منه، ومازال أسامة مشغولا بها فى المصراوية، وطرحها أيضا فى زيزينيا. عن المصرى الذى يحمل نصفا أوربيا.
فى "أرابيسك" وغيرها لم يكن أسامة أنور عكاشة مجرد مؤلف لكنه طرح الأفكار والأسئلة التى ما تزال قائمة، وتظهر فى مشاحنات طائفية أو عرقية بسيطة لكنها موجودة، لقد كانت مرايا أسامة أنور عكاشة ذات أبعاد متعددة، مرايا تطرح أسئلة، نحاول الهرب منها لكنها تطاردنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة