د. أحمد حسن السمان يكتب: الأزمة اليونانية.. تقترب من مصر

الجمعة، 21 مايو 2010 08:12 م
د. أحمد حسن السمان يكتب: الأزمة اليونانية.. تقترب من مصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أثارت أزمة اليونان المالية تساؤلات حول تداعياتها على مصر خاصة بعد سسلة الانخفاضات التى شهدتها بورصة القاهرة فى رد فعل للأزمة، وبسبب التأثير الضخم الذى يمكن أن تتركه على اقتصاد أوروبا التى تعد الشريك التجارى الأول لمصر.

ولعل زيارة الرئيس مبارك إلى اليونان الخميس الماضى توضح الاهتمام المصرى بمتابعة ما يجرى فى هذا البلد وهى الزيارة التى تزامنت مع تنفيذ إضراب عام واسع هو الرابع من نوعه احتجاجا على الإجراءات التقشفية التى اضطرت اليونان إلى تبنيها للحصول على حزمة المساعدات لإنقاذها من خطر الإفلاس.

وتتمثل المفارقة فى الموقف المصرى المسارع إلى استكشاف تداعيات الأزمة اليونانية من خلال زيارة رئيس الجمهورية.. فى الوقت الذى تسير فيه سياساتنا المالية فى نفس الاتجاه الذى تسبب فى اندلاع تلك الأزمة عبر طرح سندات دولارية على المستثمرين الأجانب والتفاخر بسرعة الاكتتاب فى سندات قيمتها مليار دولار فى الأسواق الدولية كما صرح بذلك فى أكثر من مناسبة عدد من كبار مسئولينا.

صحيح ان الأسباب التى أدت إلى تفاقم الأزمة اليونانية متعددة ساهم فى جزء منها افتقاد أثينا القدرة على معالجة أزماتها عبر استخدام البنك المركزى والسياسات المالية، بسبب خضوعها لهيمنة البنك المركزى الأوروبى، إلا أن السبب الأكثر خطورة فى اندلاع الأزمة والذى اضطرها فى النهاية الى الخضوع للشروط المالية للاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى وجعلها تطبق سياسات تقشفية حادة أثارت غضبا شعبيا واسعا يعود إلى أن معظم ديونها البالغ قيمتها نحو 340 مليار دولار تأتى عبر السندات الدولية التى تمتلكها بنوك واستثمارات أجنبية.

ويمتلك المستثمرون والبنوك والمؤسسات الدولية 70% من إجمالى الدين العام لليونان الذى تبلغ نسبته من الناتج المحلى الإجمالى نحو 130% لعام 2010... فى المقابل يبرز مثال آخر توضح مؤشراته خطورة وضع الديون فيه وهو ما يستدعى انفجار أزمة اقتصادية اكبر وأكثر خطورة.. حيث تبلغ قيمة ديون اليابان نحو 9.5 تريليون دولار تتخطى نسبته ضعف الناتج المحلى الإجمالى لعام 2010 مسجلة رقما قياسيا فى الديون وفى نسبتها إلى الناتج المحلى الإجمالى.

تركت الأزمة آثارا ضخمة فى اليونان مقابل عدم وجود هذه الأزمة فى اليابان الأمر الذى يعود إلى سبب وحيد وهو أن 95% من ديونها محلية مولتها مدخرات اليابانيين أصحاب أكبر معدلات ادخار فى العالم.

لقد تجنبت اليابان أزمة حقيقية باعتمادها على المدخرات المحلية رغم ان المؤسسات المالية العالمية كانت ستتلهف على الاكتتاب فى السندات اليابانية.

المقارنة بين التجربة اليابانية والأزمة اليونانية تؤكد أن طرح السندات الدولارية دوليا على مستثمرين أجانب هو سبب كل الأزمات.. بينما فى مصر تخرج التصريحات الرسمية للمسئولين تفتخر بالاكتتاب فى مليار دولار سندات فى الأسواق الدولية.. بل واعتبر هذا الإقبال شهادة ثقة دولية جديدة فى اقتصادنا وسياساتنا كما جاء فى أكثر من تصريح لوزير المالية وعدد من كبار المسئولين.

الخطورة فى السندات الدولارية أنها أداة للتأثير استقلالية القرار الاقتصادى المحلى وتحديد السياسات المالية وهو ما يتضح فى سياسات التقشف التى اضطرت اليونان لتبنيها.. ولا يعد الاكتتاب فى السندات الدولارية دليلا على صلاحية السياسات الاقتصادية لأى دولة لأن المستثمرين الدوليين عند اتخاذهم قرار شراء السندات يسعون فى المقام الأول إلى الربح الآمن الذى يجنبهم الوقوع فى المجازفات واندفاعات المضاربة وانهياراتها المنتظمة خاصة أن أسواق الأسهم فى العالم تواجه منذ عقدين سلسلة من الأزمات المتواصلة ولا توفر سوى نسبة أرباح محدودة.

الضرر الرئيس فى شراء المستثمرين الدوليين للسندات الدولارية يأتى من نقلهم رؤوس الأموال من بلد إلى آخر سعيا وراء أى فرق فى الفائدة.. وهو ما يترجم بيعا لسندات الدين مما يسبب بالتالى ارتفاعا فى معدلات الفائدة وكلفة تمويل السندات وهو ما واجهه اليونانيون فى أزمتهم الحالية.

وتنحاز بنية الأسواق المالية العالمية والقواعد الحاكمة لصالح المستثمرين الدوليين والشركات المتعددة الجنسيات وتجبر الدول التى تعتمد على التمويل الدولى لسنداتها إلى الخضوع لإملاءات وشروط صاحب السندات.

خطورة الأزمة اليونانية وسبب اندفاع الدول الأوربية إلى مد يد العون لها يرجع إلى أن هذه الأزمة تضرب الفكرة الأوربية والاندماج والتوحد فى الصميم.. وتهدد العملة الأوربية التى شهدت أسوأ انخفاض لها منذ سنوات بعد أن كان اليورو البديل المحتمل للدولار فى الأسواق العالمية.

لعل الدرس الأهم والأخطر الذى تقدمه الأزمة اليونانية يتمثل فى ضرورة الاعتماد على الداخل.. فإذا كانت اليونان قد وجدت المظلة الأوربية التى منحتها الوقت وأنقذتها من إشهار إفلاسها.. فإن مصر عليها أن تتجنب مصير اليونان بدون مظلة أوربا.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة