د . عادل الليثى يكتب: الخروج من العالم الافتراضى

الأحد، 02 مايو 2010 09:12 م
د . عادل الليثى يكتب: الخروج من العالم الافتراضى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كلنا أيها السادة نعيش فى عالم افتراضى وهمى غير حقيقى، نعيش ونتعايش معه وندعى أنه حقيقى.. عالم إما نصنعه نحن أو يصنعه لنا الآخرون.. نصنعه نحن لندارى ضعفنا وإفلاسنا ونعيش الدور، ولكن قلوبنا غير مرتاحة.. ويصنعه لنا الآخرون لكى يخدعونا بأننا فعلا نعيش الحقيقة بكل حذافيرها، نسعد بها بعض الوقت، ولكن فى سريرة أنفسنا يمزقنا هذا التناقض فى داخلنا وفى كينونتنا الحقيقية.. ويكون مردودنا الحقيقى صفر فى عالم الأمم والمجتمعات.. لست أدرى إذا كان هذا الوضع الذى نحن عليه كان طول الوقت أو إنه بدأ فى عام 1952.

على الأقل أنه ابتداء من هذه السنة ونحن نعيش الوهم بكل تجلياته.. نعيش فى العالم الافتراضى.. نسعد وكأننا أقوى الأمم ولكن يمزقنا الشك، ثم يعتصرنا الألم عندما نواجه بالحقيقة، التى لابد لها أن تظهر فى وقت ما، لأنها هى الحقيقة وغيرها وهم.. كمن يخرج من الظلام إلى النور فجأة فلا يرى.. وسوف نجد أن كلمة ( وكأننا ) تصاحبنا طول الوقت.. هذه الكلمة اللعينة، والتى لانستطيع إخراجها من حياتنا إلا بدفع الثمن، مكابدة ودموع ودم.. وكأننا نعيش وكأننا نتزوج وكأننا نتعلم وكأننا ننجب وكأننا ننتخب وكأننا نقول ما نريد وكأننا كل شىء وأى شىء.. سهلة ومغرية ولكن عاقبتها خطيرة.. فلا شىء يحدث فى هذا العالم بدون طاقة، فنحن أبناء الطاقة نعيش بها وعندما تختفى من حياتنا تختفى الحياة نفسها.

فقد بدأت حياتنا فى هذه السنة بشيك وهمى افتراضى على بياض وبدون رصيد أعطاه الشعب المصرى لضباط يوليو ومن ساعتها تعودنا على ذلك.. وفتح ضباط يوليو مسرحا وارتدوا الملابس المدنية ملابس الدور فى المسرحية.. ثم بدأوا تجهيز المسرح بالديكور والممثلين الثانويين.. أقاموا ديكورا كبيرا يملأ كل خلفية المسرح ولونوه بكل الألوان الزاهية و المتناقضة وكل المقصود هو الإبهار أليس هذا هو هدف كل الفنون الإبهار.. وصنعوا له أبوابا يدخل ويخرج منها الممثلون يضحكون ويتحادثون ويدخنون ويتشاجرون ويجعجعون بكلام كبير شكله وهمى، ولكن جميل وتلتقط لهم الصور جماعة وفرادى ولكن خلف هذه الواجهة الديكورية المبهرة لايوجد شىء فهذه هى طبيعة الديكورات.. ثم كتبوا عليه اسما تغير مع تغير فصول المسرحية، ففى الفصل الأول كتبوا عليه هيئة التحرير وفى الفصل الثانى الاتحاد القومى وفى الفصل الثالث كتبوا الاتحاد الاشتراكى وفى الفصل الأخير الحزب الوطنى.. وعلى الجنب الأيمن من المسرح صنعوا ديكورا آخر ملون وله أبواب يخرج ويدخل الممثلون منها.. يضحكون ويتناقشون ويرقصون ويتشاجرون ويتشاتمون ويلبسون بدلا وجلاليب وكتبوا عليه بالخط العريض مجلس الشعب هكذا أراد المخرج.. ثم جاء دور المجاميع دور الكومبارس ليكملوا الصورة ففى البداية أجلسوهم فى مقاعد المتفرجين على طريقة المسرح التفاعلى، حيث يتشارك الممثلون والجمهور الحوارات والضحكات والتصفيق والأسئلة المكتوبة سلفا.. إلى أن اشتكى الكومبارس أن البطل أصبح عجوزا والدور هو دور شاب فلابد من تغييره ولا بد أن نضع نظاما لتغييره بين الحين والحين حتى يأتى علينا الدور لأننا نريد أن نقوم بدور البطل نحن الآخرون فى يوم ما، ولا نظل كمبارس هكذا طول الحياة.. وبعد إلحاح أصعدوهم على خشبة المسرح حيث أعدوا صناديق يصعد الكومبارس ويضعون فيها أوراقا ثم يحملون هذه الصناديق إلى الكواليس ومع ذلك يظل بطل المسرحية هو هو دون تغيير إلى أن ظهر شىء اسمه الإنترنيت.

وهو لوحة كبيرة جدا فى صالة المتفرجين وتمتد خارج المسرح حيث من الممكن أن يراها الناس فى الشارع والشوارع المجاورة ويدخلوا فيها.. لوحة عجيبة غريبة تكتب عليها ماتريد ولايمكن محوه بالماء ولا بالنار.. وترى فيها العجائب من كل البلاد.. حيث يدخل فيها الناس فيختفون ولا يمكن رؤيتهم بالعين المجردة وهناك يكتبون رأيهم فى المسرحية والأبطال دون أن تطولهم يد إدارة المسرح بسوء.. وقد كتبوا وكتبوا وكتبوا وتخيلوا واقترحوا وشطبوا على صورأبطال المسرحية ورسموا لهم ذيولا وقرونا وآذانا طويلة ووضعوا مكانهم أبطالا آخرين رسموا لهم أجنحة بيضاء وطيروهم فى الهواء وفوق السحاب ورسموا ديكورات أخرى من مدرسة الواقعية بدلا من ديكورات السوريالزم الموجودة على المسرح.. حتى أنهم بدأوا فى إعادة إخراج المسرحية من جديد وبشكل جديد موديرن حداثى، حيث لا بطل نهائى ووحيد للمسرحية.

ولكنهم ملوا البقاء فى هذه اللوحة العجيبة وكأنك فى محطة فضاء لقد هربوا من حياة افتراضية خارجها إلى حياة افتراضية داخلها فأصابهم الملل بشكل كبير فخرجوا عازمين على هدم المسرح وإعتاق الكومبارس من حياتهم المملة الكئيبة لكى يتحول كل منهم إلى بطل حقيقى يكتب حواره بنفسه ويحدد دوره بنفسه ففى عالم الحقيقة كل شىء ممكن ولكن بحساب.. وحتى ينتهى موسم الشيكات على بياض الوهمية، والتى بدون رصيد والتى تمنح طواعية دون أن يطلبها الآخرون.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة