حاتم حافظ يكتب: ماى نيم إذ جاك

الأحد، 02 مايو 2010 01:33 ص
حاتم حافظ يكتب: ماى نيم إذ جاك مشهد من فيلم اسمى خان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

افتتن المصريون بالفيلم الهندى الذى عُرض مؤخرا "My name is khan" أو اسمى خان، منبع الافتتان أن خان حين يواصل الكشف عن براءته وعرضها على العالم الغربى يكون فى الوقت نفسه يرد اعتبارنا الذى فقدناه- ككائن مصنف تحت لافتة مكتوبة بالعربية- ولهذا فإنها تثير القلق- بعد الحادى عشر من سبتمبر.

من مفارقات الحضارة البشرية أنها تترك نفسها أحيانا عرضة لأكثر البشر جهلا، لهذا أمكن للرئيس الأمريكى السابق بوش الابن أن يقطع بأن العالم صار مقسما بين عالمين، عالم الأخيار وعالم الأشرار، مستخدما كلمات كان قد سمعها من قس اعترافه لإضفاء طابع مقدس على جهله.. العبارات المستعارة من الكتاب المقدس والتى صيغت فى خطاب بوش بعد النكبة لم تقنع البشر الذين يعيشون فى الغرب فحسب، بل إنها أقنعت البشر الذين يعيشون فى الشرق أيضا، وبدلا من أن يحاولوا إقناع العالم بأنهم ليسوا (الأشرار) فى دراما العصر الحديث، حاولوا رد الصاع صاعين فواصلوا تأكيد أن الغرب هو مغارة الأشرار الاستعماريين المتآمرين الصليبيين.

يمارس البشر لعبة ماكرة لتغذية سوء الفهم المتبادل بين العرب والغرب، مدارها صياغة مفهوم للذات على أرضية توراتية توراثتها الديانات التالية، وهى الديانات التى صاغت الثقافة بشكل مؤثر للغاية، فى التوراة ثمة شعب مختار وثمة أغيار، ولأن الاختيار "ربانى" فإن الأغيار موسومون باللعنة دائما. ولأن البشر كائنات تفضل أن ينوب عنها الآخرون فى التفكير واتخاذ القرار فقد استسلمت كل جماعة بشرية لفكرة أنها أخيار الله ومختاروه وأن كل ما هو خارج دائرة نفوذها أغيار يستحقون اللعنة.

يصرف العرب جهودهم فى لعنة الغرب لأنه لم يحاول فهمهم كما ينبغى لهم أن يُفهموا، ككائنات مُنيت بسوء الظن فتم تصنيفهم كإرهابيين بينما هم ليسوا كذلك. على الرغم من أنهم لم يتخذوا أى خطوة فى فهم الغرب كما ينبغى له أن يُفهم، ولم يفكروا فى أنه ليس من اللائق تصنيف الغرب كله تحت لافتة واحدة.

البشر للأسف- وهذه واحدة من مآسى الحياة ضمن مجموع ـ يفضلون التعامل مع الآخر باعتباره كتلة واحدة. نحن (ولا أعرف على وجه الدقة ما أعنيه بكلمة نحن) نفضل التعامل مع الأوروبى مثلا ككائن مفرد، فى حين أننا حين نحاول التفكير فى القوميات الأوروبية فإننا نميل أيضا للتعامل مع كل قومية باعتبارها كتلة واحدة، لهذا أمكن تعريف الألمانى بأنه نازى، والإيطالى بأنه همجى، والفرنسى بأنه حسى، والإنجليزى باعتباره متعجرفا، والسويسرى باعتباره الشخص الذى يخفى رصيده المالى. ليس هذا فحسب بل إنه لهذا أمكن تعريف المصرى بأنه فكه وذليل، والجزائرى باعتباره عصبيا وعنيفا، والسعودى باعتباره برميل نفط وهابى.

لدواعى الاستسهال يواصل الإعلام إعادة تدوير تلك الأساطير فى الشرق والغرب بسبب حماقة التفكير فى الآخر باعتباره (الشرير) لمجرد أننا ـ كل جماعة بشرية ـ نظن فى أنفسنا خيرا. لهذا فقط اختار مؤلف "اسمى خان" أن يكون خان متوحدا. ولهذا فقط فإنه من المقدور لشخصية مثل جاك فى فيلم متخيل بعنوان "اسمى جاك" "My name is Jacques" أن تكون شخصية متوحدة. إن طرق صياغتنا لمفهوم الذات طرق لا عقلانية بالمرة. إننا كمنتمين لثقافات مُصابة كلها بمرض التوحد لا يمكننا الإنصات للآخر، بل نتعامل مع المنصتين له بحذر، معتبرينه متواطئا وخائنا. لأن العصر الحديث كله موسوم بالأصولية الدينية التى أعادت صناعة الأسطورة التوراتية: الأخيار والأغيار.

فى عام 1999 تعرفت ضمن فريق مسرح بلغارى على ممثل شاب خفيف الظل للغاية، فقط فى الأيام الأخيرة عرفت أنه يهودى. خفة ظله بالطبع لم تجعلنى أقوم بتعريف اليهود باعتبارهم كائنات خفيفة الظل، فقط أمكنتنى أن أحكى أننى تعرفت ذات مرة على شخص اسمه ستيفين، وأن ستيفين كان يهوديا وخفيف الظل. وأحسب أن مداعباتنا ومناقشاتنا طول أسبوعين لن تجعله يُعرّف المصريين جميعهم بأنه ذلك الشخص الذى يسمى حاتم حافظ والذى التقاه فى القاهرة. لهذا يبدو الاسم كشىء لا يجب تجنبه فى الحديث، إن خان فى الفيلم هو خان وليس ممثل المسلمين، لأن براءة خان من الإرهاب لن تمحى حادثة أن ثلاثة آلاف شخص قد لقوا مصرعهم فى نصف ساعة بسبب شخص مختفى فى أحد كهوف آسيا، لأن هذا الشخص له حضور حقيقى وليس أسطورة فحسب. كما أن طيبة قلب خان لن تجعل الغرب يفكر فى المسلم باعتباره ليس الشخص ذى الأصول العربية الذى يتاجر فى المخدرات ويتزوج عدة نساء مختفيات أسفل نقاب، لأن هذا الشخص ـ هو وزوجاته ـ أيضا ـ له وجود حقيقى وليس أسطورة فحسب.

أما براءة جاك فى الفيلم الخاص به فلن تمحى أبدا خريطة ضحايا تجار الحروب فى العراق وفلسطين والسودان وأفغانستان، لأن تجار الحروب الأمريكيين لهم وجود حقيقى وليسوا أساطير فحسب.

بالقدر نفسه الذى لم تمح خفة ظل ستيفين الشعور بالمرارة الناتج عن ممارسات الصهيونية العالمية، لدرجة أننى تعمدت التأكيد على أن جبل موسى موجود داخل الأراضى المصرية لمجرد أن هذه المعلومة قد استفزت فيه صهيونيته المستترة.

ليس علينا الدفع بالمزيد من الدفاعات، كما أن علينا الكف عن مطالبة الغرب بدفاعاته، لسنا إرهابيين وإن كان بعضنا كذلك، كما أن الذين يسكنون فى الغرب ليسوا استعماريين وإن كان بعضهم كذلك.

يمكننا بذل المزيد من الجهد فى التعرف على أسمائنا وأسماء الآخرين، هؤلاء الذين لن نعرفهم حق المعرفة ولن يعرفونا كما تنبغى المعرفة إلى أن تلاقينا فتصافحنا وخاطبنا بعضنا البعض بأسمائنا مستبعدين التعامل وفق تعريفات للبشر ككتلة واحدة صماء ومستوحدة، Hi.. my name is khan.. Hi my name is Jacques.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة