فى الزمن الصعب. زمن الثقافة الاستهلاكية، لم يعد فى الإمكان استيعاب ما تمطره سماء الأقلام المنحدرة من سلالة السبى البابلى. فى الزمن الصعب، أصبحت الأغنية الساذجة أكثر انتشارا، والكلمات الركيكة أكثر رسوخا فى عقل الإنسان العادى.. دائما ما نسمع أصواتا ترتفع من هنا وهناك تنعى حال الفن والأدب، هذه الأصوات تنبعث من عرائن أصحاب الكلمة وكأن أصحابها يطلقونها وهم فى حال الغيبوبة، وعندما تصحو الأذهان يحدث العكس، وإلا لماذا كل هذا الضخ من النتاجات والإفرازات الفنية والأدبية التى لا تعبر إلا عن مرحلة الهزال الفكرى والضعف النفسى؟
فى حقيقة الأمر متابعة ما ينتج وما يعلو من أصوات، يؤكد حقيقة واحدة وهى أن الإنسان بعد خضوعه لتيار التراجع فى كل شىء أصيب بحالة (الشيزوفرينيا) حيث الانفصام والانفصال الكلى عن الواقع ثم العودة، ثم الانفصال إلى آخر المطاف. فلم يعد للثوابت الفكرية والنفسية رسوخ يؤكد شخصية الإنسان الكاتب أو الفنان، ولم يعد بإمكان هذا الإنسان أن يعى دوره كعنصر عليه من المسئوليات الوطنية والقومية ما يلزمه بتأديتها كواجب لا كحالة طارقة.
فى الزمن الصعب غابت المقاييس وتلاشت الأطر، واندثرت المضامين الفكرية، ليحل محلها التهميش، تهميش كل شىء وتسطيح أى شىء بما يلائم المرحلة. نعم أصبح الإنسان الكاتب والفنان مطية المرحلة، ومقودها الذى توجهه كيفما تشاء وحيثما تريد.. أما القضايا الإنسانية عميقة الجذور، أصبحت فى خبر كان مطموسة ضمن نفايات العصر، مركونة فى زواياه المظلمة والذى يريد أن يناقش أبعاد قضية ما، أو يتناولها بعمقها الموضوعى، يخضع للنبذ، والنفى الفكرى بحجة الحماقة، والتطاول، والاقتراب من الممنوع إذن نحن فى زمن نحتاج فيه إلى غربلة الكثير من أوراقنا، وإلى هزة عميقة ترج أرضية الثقافة الهشة.
فى الزمن الصعب أصبحت الأغنية الساذجة أكثر انتشاراً
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة