لا يستطيع أحد أن ينكر أن التغير يبدأ بخطوة، المهم أن نبدأها لنشعر بوجود مردود حقيقى، وحتى لا نفقد الأمل مهما تأخرت الخطوات، المهم أن تتخذ وهذا الكلام ينطبق على القرار الأخير لوزير الإعلام، أنس الفقى، حيث قام بإحالة صفقة بيع التراث الغنائى المصرى إلى قناة روتانا إلى النائب العام بعد تحقيقات النيابة الإدارية، والتى أثبتت حالة الفوضى التى باتت تحكم ماسبيرو، وتشير إلى عدد من الموظفين معدومى الضمير، والذى هان عليهم التفريط فى تراث بلد بساطة شديدة ودون أن يرمش لهم جفن، ويرددون ببساطة "لقد بعنا شرائط مركونة كان من الممكن أن تتلف"، حيث تم منح حق استغلال حوالى 1100 ساعة من تراثنا الغنائى لكبار مطربينا مثل أم كلثوم وعبدا لحليم ومحمد عبد المطلب، إضافة إلى حفلات ليالى التليفزيون، والتى أحياها كبار مطربى الوطن العربى بسعر، عشر دولارات للدقيقة! دون تحديد وقت معين بل مدة مفتوحة ويبدو أنه لم يكفيهم تفريطنا فى تراثنا السينمائى، فقاموا أيضا ببيع التراث الغنائى بدلا من التفكير فى الحفاظ عليه، لأنه ليس ملكا لأحد بل ملكا لبلد وأجيال كاملة.
أنس الفقى بهذه الخطوة قد يكون فى طريقه ومعه المهندس أسامة الشيخ، لإعادة ترتيب البيت من الداخل وأقصد ماسبيرو، والذى أصبح فى حاجة ماسة لتطوير آليات العمل بداخله، وتحديدا فيما يتعلق بأرشفة والحفاظ على الثروات التى مازلنا نملك بعضها، ومن الخطوات الهامة التى على الفقى أن يتخذها لحماية ما تبقى من تراث لمواد إعلامية وفنية ووثائقية تضمها مكتبة التليفزيون، والتى تم نهبها بشكل منظم، على مدار سنوات طويلة وخرجت منها مجموعة من أهم الأشرطة
والمواد التليفزيونية إلى الفضائيات العربية.
بأبخس الأسعار ناهيك عن الأشرطة التى تحتوى على مواد تراثية شديدة الأهمية، وتم نهبها ليس ذلك فقط بل وضعت مكانها أشرطة فارغة وتلك جريمة بكل المقاييس سيعمل الفقى على التحقق منها، وقد يردد البعض أن الخطوة جاءت متأخرة كثيرا حيث سيتساءلون هل إحالة المتهمين وملف الصفقة إلى النائب العام سيعيد شيئا مما ضاع من ثروات فنية؟ وهم يملكون كل الحق فلن يعود شىء؟ خصوصا وأن من قاموا بشراء هذه المواد يدركون جيدا أهميتها، ولن يفرطوا فيها من جديد؟ ولكن يبقى للفقى أنه حاول على الأقل إنقاذ ما تبقى لدينا من تراث، والأهم أنه أعطى درسا لكل موظفى ماسبيرو رافعا شعار أنه "لا أحد فوق المسألة ومن أخطئ عليه أن يعاقب"؟ وقد يتعظ الباقين الذين لايعنيهم كثيرا "تراث مصر"، حيث أنهم يجهلون تلك الكلمة والتى تعنى حضارة وتاريخ وثقافة دولة، وهو الكلام الذى أكده أيضا أسامة الشيخ، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، والذى قرر عدم ترك مثل هذه الأمور لمجموعة من الموظفين، خصوصا وأن صفقة البيع ومنح حف الاستغلال تمت بعيدا عن سمع وبصر رئيس الاتحاد حيث أكدت نادية صبحى، رئيس القطاع السابق، والتى أتمت الصفقة بأن سلطاتها كانت تمنحها التصرف دون الرجوع لرئيس الاتحاد، وهو المنصب الذى كان يشغله وقت إتمام الصفقة اللواء أحمد أنيس، وقد تكون قناة التراث التى قرر الفقى إطلاقها تحت رئاسة الإعلامية ليلى رستم بمناسبة العيد الخمسينى للتليفزيونى، بداية جديدة لنظرتنا لتراثنا وطريقة الحفاظ عليه، وتأكيد على اهتمامه بإعادة الرونق للتراث الذى فقد كثيرا من بهائه.