ليس من الحكمة أن يتحدث الكاتب أو الروائى عن روايته قبل أن يقرأها الناس كى لا يصادر على ما يرونه فيها، هكذا بدأت الكاتبة الروائية رضوى عاشور كلمتها أمس فى حفل توقيع روايتها الجديدة "الطنطورية" الصادرة حديثا عن دار الشروق، والتى أقامت الدار حفلا بصدورها فى مكتبة الشروق بالزمالك.
وأشارت عاشور إلى أن اسم روايتها غريب لكنه يعود إلى قرية الطنطورة على الساحل الفلسطينى التى تبعد 24 كيلو مترا جنوب حيفا، وهى القرية التى شهدت هجوما بربريا فجر 23 مايو 1948، ونتيجة لعدم تكافؤ القوة احتل الصهاينة القرية، وقاموا فيها بمجزرة راح ضحيتها 200 شخص، مؤكدة على أنها قد تكون أكبر من مجزرة دير ياسين فى التاريخ الفلسطينى.
وأضافت عاشور: إذن الطنطورة جزء من التاريخ والجغرافيا الفلسطينى، لكن الشخصيات كلها متخيلة، باستنثاء بعض الشخصيات التاريخية، سيعرف القارئ أنها حقيقية.
وأكدت عاشور على أنها رغم انشغالها بالقضية الفلسطينية منذ طفولتها المبكرة، إلا أنها لم تستطع أن تكتب رواية عن القضية الفلسطينية لأن الروايات كالعفاريت لا تظهر بميقات محدد، ولا بقرار، ولا برغبة مهما كانت أصيلة وقوية.
وقالت عاشور: قبل أكثر من عام جاءنى المشهد الأول من الطنطورية، ظهر كالعفريت، وجر وارءه سلسلة من العفاريت، مشاهد وشخصيات وخلافه، تتوالد كلها، والغريب فى هذه الرواية أن الشخصيات التى لم نكن نعرفها، وفجأة تصبح أليفة وقريبة ومقلقة، لكنها كانت عفاريت غريبة، لأنها ممتزجة بطين التاريخ، والجغرافيا الفلسطينى.
وأكدت عاشور على أنها قرأت الكثير من تفاصيل الواقع الفلسطينى، وعززت معارفها بالنكبة واستمعت لشهادات مسجلة من المنكوبين الفلسطينيين، ودققت كثيرا فى المسافات بين الخرائط، مشيرة إلى جهد توثيقى بذلته طوال فترة الكتابة، إضافة لتعليقها خريطة كبيرة لفلسطين على حائط منزلها لتعرف المكان الذى تكتب عنه بشكل أكبر.
وقالت عاشور: التاريخ والجغرافيا لا يحلان للروائى كل مشاكله، فهناك مشاكل تخص نص يكتب حكاية حزينة وثقيلة، وكنت أتساءل ما الذى أفعله كى لا يختنق القارئ بين يدى؟ ماذا أفعل؟ أضحكه افتعالا؟ فأى افتعال ممجوج وثقيل، والحقيقة أنى تركت نفسى لأصابعى على الكمبيوتر، واكتشفت أن حتى الحكايات الحزينة الثقيلة يفرح بها الناس حتى وهم أسفل وطأة النكبات، وهذا ما أسميه المقاومة، وأنا رأيت فى الضفة الغربية وفى غزة، مشاهد الأمهات وهم يحمون أطفالهم ويرسلوهم للمدرسة، حتى بعد أشد الضربات التى يتعرضون لها.
وأكدت عاشور أنها تتصدى لنوع من التأريخ على طريقة الروائيين، حيث تتحول الوقائع إلى إيقاع وروح وحياة، موضحة أنها ليست مؤرخة، وحكت عاشور قصة أوردتها فى الرواية عن ولد صغير فى مدرسة المخيم استيقظ من نومه، وسأل عن شقيقه، فأخبرته أمه أنه ذهب إلى المدرسة، فذهب حافى القدمين إلى المدرسة، وهناك اعترض المدرس على دخوله بهذا الشكل، فقال له: شبشبى لابسه محمد، وفط متربعا فى حوض قديم، وقال للمدرس: كمل أنت الدرس بتاعك وأنا كدا مستريح.
وعلقت عاشور على القصة قائلة: حاولت بهذه القصص أن أوزن حكاية المجزرة بحكاية من الحياة، فأنا لم أكتب كتابا فى التاريخ، وإنما كتبت رواية، وكل كاتب أو كاتبة يطمح حين يكتب، أن يتدخل فى التاريخ.
وأضافت عاشور: أريد أن تصبح الطنطورة جزءا من تجربتنا، وأن تصبح صيدا القديمة بحاراتها جزءا منا، وأريدكم أن تعرفوا هؤلاء الناس الذين أحببتهم هناك.
وختمت عاشور كلمتها بتوجيه الشكر لإبراهيم المعلم، وأحمد الزيادى وسماح حسين ورجائى عبده الذى صمم غلاف الرواية، وقسم النشر بالدار، وكل العاملين فى الدار الذين أخرجوا الرواية فى سرعة قياسية، وأعربت عن امتنانها لهم، كما شكرت عاشور "بيان نويهض الحوت" الأستاذة الفلسطينية الجامعية التى قضت عشرين عاما توثق لمذبحة صابرا وشاتيلا، وشكرت عاشور فى النهاية مريد البرغوثى، مؤكدة على أنه لولا 40 عاما من حياتها معه، لما تجرأت على كتابة هذه الرواية، مشيرة إلى أن الكاتب يخشى من الكتابة على شىء لا يتملكه تماما.
وعقب المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق أن رضوى عاشور من الأدباء الذين يحب التعامل معهم، فهى قمة من قمم الفكر، وشعر بالسعادة لنشر كتابها.
وأكد المعلم أن عاشور تكتب بتجرد وعمق المؤرخ الجاد، وباقتدار العالم الباحث المتعمق، وكل ذلك بدون أن يمتزج أسلوبها بالخطابة أو الوعظ، فهى ترسم بريشة الأديب الكبير الذى يدخل إلى أغوار النفوس الإنسانية، ويتمكن من التعبير عنها بتعبير شاعر ومبدع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة