يشعر الكثيرون من المصريين بأن مصر فى مخاض قارب الاكتمال وأن ولادة عصر جديد لم تتشكل ملامحة بعد أن أصبحت على الأبواب، يحس الكثيرون من المصريين أن هذا التغيير قادم لا محالة برغم كل مراوغات رؤوس النظام.
التغيير قادم ومصلحة مصر العليا أن يأتى منظما لا عشوائيا، افتراضا لحسن النية وسلامة المنطق فلا شك سيادة الرئيس أن هذه المصلحة العليا هى هدفك كما هى هدف الشعب كله حتى أشد معارضيك منهم فلماذا لا تبدأ مختارا مسيرة للتغيير ترضى مطلبك ومطلب الشعب الذى يعانى أشد المعاناة.
نفهم أن الرئيس فى ضوء ما سبق يحتاج بالمنطق البسيط لتقاعد هادئ، نفهم أن الرئيس بعد ثلاثين عاما تقريبا فى السلطة يحتاج لخروج آمن يوفر لة راحة البال، نفهم أن الرئيس عليه مسئولية أبوية وأدبية تجاه نجله السيد جمال مبارك فهو الذى فتح له الطريق ودفعة لتصدر المشهد السياسى الرسمى فى تصعيد لفت انتباة الشعب كله، نفهم سيادة الرئيس أن مسئوليتك تجاه نجلك تملى عليك حفظ فرصته فى مشاركة متكافئة مع باقى المصريين، نفهم أيضا سيادة الرئيس أن كل إنسان يطمح غريزيا فى أن يترك بصمة لا تمحى تذكر له بالخير عند إنهائه عملا كبيرا، أليست هذه فرصة لذلك؟، نفهم أخيرا وليس آخرا أن الحفاظ على مصر مستقرة بدون اهتزاز هو هدف سامى لك، أليس التغيير الطوعى المنظم هو الطريق الأمثل لذلك؟، هل نخطئ سيادة الرئيس فى فهمنا هذا وهل سمينا الأشياء بغير أسمائها عندما استندنا إلى المنطق المستقيم وحسن النية؟.
إن سنة ونصف يقضيها الرئيس لمجرد تسيير الأمور لهى دهرا إذا قيست بحرج تحقيق مصلحة الشعوب، لقد أصبح واضحا أمام الشعب أن ظروفك وظروف مصر من الخصوصية بحيث وجب علينا جميعا كمصريين رئيسا وشعبا أن نعطى سيناريو المرحلة الإنتقالية حقة من التفكير المتأنى.
نحتاج لشخصية توافقية يقبلها الجميع رئيسا وشعبا ولم تشارك فى أحمال السياسة الداخلية بكل ما لها وماعليها، شخصية غير حزبية قادرة على الأداء المحايد بين تيارات المجتمع، تأتى لتحمل مسئولية المرحلة الانتقالية فقط واقتصارا، سيكون من الخطأ البالغ سيادة الرئيس أن يتم اللجوء لسياسة منتصف الطريق فتعيين هذه الشخصية التوافقية نائبا للرئيس فيكون ذلك تدميرا لفرص هذه الشخصية فى قيادة هادئة بالتراضى لمرحلة انتقالية تعبر بمصر فى انتقال منظم للسلطة وبالممارسة السياسية إلى منظومة ديمقراطية حقيقية وشفافة خلال مدة زمنية محددة.
إن التوافق المجتمعى هو الطريق الأمثل لترتيب ضغوط المجتمع فى طريق بناء وهى التى تنذر بالتصاعد الذى لن يتوقف، إن مصر بحاجة ماسة للإصلاح السياسى والديمقراطية الكاملة وهذه هى البوابة التى ستنطلق منها مصر الى علياء النهضة الشاملة.
الشعب يطلب أن يختار حكامه فى أصغر قرية وحتى رئاسة الجمهورية فى انتخابات نزيهة ليس بها تلاعب وأن يختار ممثليه المخلصين بحرية ليراقبوا حكامه ويحتاج هذا الشعب لأن يشعر أن حكامه هم خدامه وله حق عزلهم اذا لم يحافظوا على مصالحه، كل أساليب المراوغة والترهيب والترغيب لن توقف المد الشعبى الذى ينمو بإطراد فى تربة كلها معاناة وقهر إنسانى، إن مطلب الأمة واضح ولن يرتد عن تقدمه وهذا المطلب هو عهد جديد وديمقراطية حقة، إن البصيرة هى سلاح من يريد أن يضع بصمته كقائد وهى التى تمكنه من تحديد مبكر لما هو قادم ولا محالة من حدوثه، كما تمكنه من تحديد الاستجابة الصحيحة التى تضمن أن يخرج الجميع غانما وأولهم الوطن.
الأولوية فى النقاش هى للفكرة فى ذاتها وليس للأشخاص ورؤيتى هى أننا جميعا نحتاج لرجل قوى قادر على تحمل أعباء الحياد الحقيقى أمام كل الضغوط المتوقعة وقادر أمام كل الصعوبات المنتظرة على الوفاء بكل ماتعهد به سواء كانت تعهداته للشعب بإصلاح سياسى كامل أو تعهداته أمام الرئيس بنقل هادئ للسلطة وخروج آمن فى خطوة تحفظ له هدوء باله فى هذا العمر، إن خطوة كهذه سيتذكرها الشعب لمبارك بالخير وستكون بصمة قائد تبقى عندما يكتب التاريخ.
هل كثير على مصر أن يتجرد أبناؤها رئيسا وشعبا فى توافق طوعى من أجل مصلحتها العليا فى الديمقراطية والنهضة وأن نتذكر كشعب هذا كهدف أسمى لا يشمل المطاردة ولا القصاص فكل منهم يشوش الرؤية ويضيع الهدف، وأن يتغير لمرة أخيرة النهج الرئاسى المبالغ فى تحفظه مدركا أن هذا وقتا لا يحتمل بطئا ولا عنادا.
هل نتشارك بالرأى جميعنا فى قضية كهذه تهمنا وليكن اسمها
"إلى أين تأخذ الأحداث مصرنا؟".
• أستاذ بطب القاهرة.