بسمه موسى

أفريقيا "نن العين"

الأحد، 16 مايو 2010 07:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتاحت لى الظروف أن أزور أربعة دول أفريقية منذ أعوام كانت كلها مصدر سعادة لى أثناء إقامتى القصيرة بها، وكانت هذه الدول تتشارك فى المساحات الوفيرة من الخضرة ونقاء الجو والطبيعة ذات الفطرة الخلابة بجمال عذرى لم تلوثه المدنية بخرسانتها الأسمنتية وزينة مبانيها وتكنولوجيتها العالية، ولكن تتسم هذه البلاد ببساطة مبانيها وجوها النقى الذى تغسله الأمطار لشهور عديدة من العام، هذا فضلا عن حلاوة مذاق الفواكه والخضروات التى تنمو بدون أى أسمدة صناعية لأنه لا حاجة لها فالتربة خصبة ونضرة جدا وفوق كل هذا صفاء قلوب هذه الشعوب.

تذكرت زيارتى لهذه الدول أثناء حضورى لإحدى جلسات مؤتمر "تفاعل الثقافات الأفريقية فى عصر العولمة" الذى نظمته وزارة الثقافة المصرية الأسبوع الماضى، فقد كان به الكثير من الأخوة والأخوات من الدول الأفريقية بأفكارهم وتطلعاتهم لأوطانهم وكذلك أزيائهم الوطنية المزركشة الجميلة كانوا ينقلون إلينا ما وصلت إليه ثقافة بلادهم والثقافات الواردة إليها من دول أخرى.

فأفريقيا بها كم كبير من التراث الثقافى الإنسانى وبها العديد من اللغات الأصلية التى لا تعرفها إلا شعوبها والتى بدأت بالاندثار نتيجة إدخال اللغات الإنجليزية أو الفرنسية فى كل مناهج التعليم ومع ذلك هم يحاولون إحياء ثقافتهم التقليدية وهويتهم اللغوية والحفاظ عليها وتطويرها، وتذكرت أضا تعبيرا جميلا أطلقه أحد الحكماء على شعوب القارة السمراء، هو "نن العين" كان الحكيم لا يقصد بها لون نن العين الأسود ولكن كان يقصد بها الوظيفة الطبيعية لنن العين أى أنه هو الذى يجعل الإنسان يرى الصور عند سقوط أى ضوء عليها وبتعبيرنا المصرى هو الذى يضئ بنوره الوضاء العالم، كان هذا الحكيم يقول ليس لدى الله بيض أو سود بل الأهم من ذلك ما يحمله قلب الإنسان لجميع البشر، فإذا كان القلب طاهرا فلن يغيره اللون الأسود أو الأبيض أو أى لون آخر، ومن كان قلبه أطهر وأخلاقه أسمى فهو أفضل، خصوصا أن السود والبيض من سلالة آدم وحواء وهم عائلة واحدة وكان لهم لون واحد وظهرت الألوان بعد ذلك بسبب الماء والمناخ المتفاوت من منطقة إلى أخرى بالعالم عبر آلاف السنين.

وأذكر سؤالا باغتتنى به طفلة صغيرة فى أحد المدارس الابتدائية فى إحدى الدول الأفريقة عندما كنت ألقى عليهم محاضرة عن صحة الأسرة وكيفية تجنب انتقال الأمراض المعدية، قالت لى ماذا عن بيض الجلد؟ فكان ردى إن الله خلقكم فى هذه المنطقة الاستوائية ببشرة سوداء حتى تحمى صبغة الميلانين الموجودة بالجلد أجسادكم من أشعة الشمس الشديدة الضارة الموجودة بالمنطقة والتى تسبب سرطان الجلد لأن هذه الصبغة تعكس هذه الأشعة وأصحاب الجلد الأبيض فى هذه المنطقة الشديدة الحرارة هم الأكثر عرضة لسرطان الجلد لأنه ليس لديهم مثل لونكم الجميل، لذا علينا أن نكون ممتنين لله تعالى على هذا اللون ثم سألت أنا هذه الطفلة اذكرى لى ما أحلى نوع من الحلوى تتذكرين الآن؟ أجابت الشيكولاتة فقلت لها إذن أنت أحلى حلوى فى الوجود لأنك بلونها، ضحك الأطفال وعندما انتهيت من محاضرتى وهممت بالانصراف وجدت يدا صغيرة تمسك ملابسى فكانت طفلة أخرى قالت لى هل ستعودين إلينا مرة أخرى فنحن نحتاج إلى من يعلمنا ما لا نجده بالكتب، قبلت جبينها وأنا أودعها متمنية العودة، وإلى الآن أتمنى أن أجد الوقت لتكرار هذه الزيارة التى جعلتنى أرى أن زرع الأمل فى القلوب الصغيرة هو من أعظم الأعمال.

وأعود إلى فعاليات مؤتمر وزارة الثقافة فقد كانت رئيسة إحدى الجلسات كاتبة صحفية مرموقة من جنوب أفريقيا حكت أنه عندما كانت صغيرة كان تصنف عائلتها باسم: "كيب مالى" لأن العائلة كانت تقع فى تصنيف الملونين وهذا تصنيف ثالث غير السود والبيض وذلك لأن بشرتهم مخّلطة وكان الناس دائما يسألونها هل أنت هندية؟.. مصرية أم جزائرية وكانت لا تستطيع الإجابة لأنها "كيب مالى" أى خالية الهوية وكانت توضع علامة على البطاقة الخاصة بعائلتها وكانت كطفلة تسأل والدها من نحن؟ وإلى ماذا ننتمى؟ وكانت فى ضيق من عدم تحديد هويتها وإلى متى هذا الوضع الحرج إنسانيا؟ فكان والدها يردد كل شىء سيحين وقته حينما يأتى زمانه، وجاء عام 1950 بداية لطريق طويل من الكفاح ضد العنصرية بسبب البشرة عندما أصدرت الأمم المتحدة الإعلان الخاص بحقوق السكان الأصليين للبلاد، وخلال الستين عاما التى تلت هذا الإعلان طرأت جهود كبيرة وحدث تغيير مذهل على القارة السمراء وتحررت جنوب أفريقيا من العنصرية بفضل جهود السكان الأصليين وجهود دول العالم وأيضا السكان البيض الذين تغيرت أفكارهم بعد اجتياح موجة من تحرير الشعوب من أسر العقول العنصرية، فالعنصرية ليست فى لون البشرة بل فى ما تختزنه العقول والقلوب، وتستطرد الكاتبة ولكنا نتطلع إلى مزيد من الجهود لتحقيق العدالة بعيدا عن الألوان والأعراق وعلى الرغم من أننى الآن أجيب على التساؤل من أين أنت؟ إننى من جنوب أفريقيا ولكنى أطمح أن تعبر ثقافاتنا العالم الذى اعتبر نفسى جزء منه ولا نريد أن نفكر بأنفسنا فقط بل بفلسفة وبطريقة واقعية على اننا نعيش جميعا فى عالم واحد يتكامل ويتشارك فى خيره ومصابه وأتمنى أن تختفى من عالمنا أى اختلافات على أساس اللون أو الجنس أو الأوطان.

تحية واجبة إلى وزارة الثقافة المصرية لإبرازها الثقافات الغنية للشعوب الأفريقية التى هى نن العين.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة