قال تعالى: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم، زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى).. سورة طه 131. جاء فى تفسير الطبرى فى تفسير هذه الآيات: أى لا تنظر، وروى عن أبى رافع: أنه نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف، فأرسلنى أسلفه إلى يهودى بالمدينة أستسلفه، فقال: لا أسلفك إلا برهن، فأخبرته بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى لأمين فى أهل السماء وأهل الأرض، فاحمل درعى إليه، فنزلت هذه الآية (أزواجاً منهم) رجالاً منهم، وأشكالاً (زهرة) أى زينة (الحياة الدنيا لنفتنهم فيه) أى نختبرهم، (خير وأبقى) مما أمتع به هؤلاء فى الدنيا.
وفى تفسير نفس الآية فى ظلال القرآن لمؤلفه سيد قطب (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم) يقول سيد قطب: إن المقصود عدم النظر إلى عرض الحياة الدنيا من زينة ومتاع ومال وأولاد وجاه وسلطان، (زهرة الحياة الدنيا) التى تطلعها كما يطلع النبات زهرته لامعة جذابة، والزهرة سريعة الذبول على ما بها من رواء وزواق، فإنما نمتعهم بها ابتلاء (لنفتنهم فيه) فنكشف عن معادنهم، بسلوكهم مع هذه النعمة وذلك المتاع وهو متاع زائل كالزهرة سرعان ما تذبل (ورزق ربك خير وأبقى)، وهو رزق للنعمة لا للفتنة، رزق طيب خير باق لا يذ بل ولا يخدع ولا يفتن.. وما هى دعوة للزهد فى طيبات الحياة، ولكنها دعوة إلى الاعتزاز بالقيم الأصيلة الباقية وبالصلة بالله والرضى به، فلا تتهاوى الأنفس أمام زينة الثراء، ولا تفقد اعتزازها بالقيم العليا، وتبقى دائماً تحس حرية الاستعلاء على الزخارف الباطلة التى تبهر الأنظار.
وهذا التفسير هو أقرب للواقع وللنفس البشرية من تفسير الطبرى، ولو تمعنا فى هذه الآية الكريمة نجد أنها تطابق الواقع الحالى الذى يعيشه المسلمون فى أيامنا هذه، فأين نحن الأن وقد أصبح جل اهتمامنا أن نغترف من طيبات الدنيا قدر استطاعتنا من مال وجاه وثراء وشهرة وتباه بالأموال والأولاد؟، ويندر أن نجد من هو زاهد فى متاع الدنيا الزائل الذى لا يقربنا إلى الله بل يزيدنا ابتعاداً عنه.
وأين نحن الآن من القيم العليا الأصيلة التى كان عليها أباؤنا وأجدادنا، والخطاب فى هذه الأية يشمل عامة المسلمين وليس موجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو لنا جميعاً، بعدم النظر إلى مامتع الله غيرنا من أزواج ومال وجاه وأولاد إنما نزلت هذه الآية على معلم الإنسانية كى تكون لنا شرعاً ومنهاجاً حتى تقوم الساعة والأمر الإلهى بعدم النظر إلى ما متع الله عز وجل غيرنا من أزواج إنما يراد منه أن يكون كل مسلم قانع بما رزقه الله به وحامداً وشاكراً لأنعم الله عليه، وإن عدم النظر إلى غيرنا وما يمتلكون من متاع الدنيا مما سبق ذكره من مال وجاه وبنين هو احترام لما يمتلكون (حق الملكية).
وحين ينظر شخص إلى غير مايملك يكون فى هذه الحالة قد استرق النظر فيما ليس له ، فقد ينظر إنسان ما إلى زوجة جاره مثلاً، وربما يقارنها بزوجته سراً وربما تمناها لنفسه أو على أقل تقدير تمنى أن تكون زوجته فى مثل حسنها وهى لا تعلم ولا زوجته تعلم، فيقع ما لا يحمد عقباه من نفوره من زوجته وانقلابه عليه دون سبب جنته سوى استراق أو نظر زوجها إلى زوجة الغير، وقد يحدث العكس فتنظر الزوجة إلى مامتع الله به أزواجاً أو زوجات غيرها فتبدأ فى مقارنة زوجها بمن نظرت إليه أو استرقت النظر إليه وتتمنى أن يكون زوجها مثله فتنفر منه ويحدث الشقاق الذى كانت بدايته نظرة من كلا الطرفين!
وكم من بيوت هدمت بسبب هذه النظرات أو استراق النظر إلى ما متع الله به أزواجاً غيرنا، فلو فهمنا الأية فهماً جيداً لما سمعنا كثير من القصص التى تقع فى أغلب المجتمعات الإسلامية قصص كان السبب الأول فيها عدم فهمنا لهذا الأمر الإلهى الذى يهدف إلى حماية الأسرة المسلمة التى حرصت كثير من آيات القرآن الكريم على بنائها بناء سليماً على أسس إسلامية صحيحة.
وقد سمعت قصة من هذه القصص التى حدثت بسبب استراق البعض النظر (رجالاًأو نساءً) لأزواج الغير دون أى وازع أخلاقى أو دينى، فقد سمعت أن امرأة قد أحبت رجلاً متزوجاً لمدة طويلة من الزمن ولديه من زوجته أولاد وهو مستقر مع زوجه، وقد استباحت لنفسها الأمارة بالسوء وبمنتهى الفخر والأعتزاز أن تسترق النظر إلى ما متع الله به أزواجاً غيرها ، وأغوته عن زوجه ولاحقته حتى انصاع لها وهومما لاشك فيه يقع عليه نفس اللوم لعدم محافظته على أسرته التى بناها ربما لعقدين من الزمن واسترق ونظر إلى ما متع الله به أزواجاً غيره فحدث ما لاتحمد عقباه وطلق زوجته كى يحظى بمن استرق إليها النظر دون أن يعمل حساباً للعشرة والمودة ولا لأولاده وزنا.
وقد يقول قائل : أنه ربما لم يحب زوجته؟ فكيف إذن أنجب منها الأولاد وعاش معها كل هذه السنوات؟ الجواب واضح كل الوضوح إن من يخالف أى أمر إلهى ولا يطيع الله فيما أمر ويبتعد عن الدين يستحق كل ما يحدث له، بقى أن نقول أن هذا الرجل بعد أن دمر بيته بيده قد زهد فى هذه المرأة الباغية التى سرقت الرجل من بيته وهى سرقة بشعة بكل المقاييس، حاول الرجوع إلى بيته وزوجته وأولاده ولكن سبق السيف العزل فقد رفضوه جميعهم لإنه فرط بهم من أجل امرأة دون أى اعتبار لمشاعرهم والسبب النظر أو استراق النظر إلى ما متع به الله أزواجاً غيرنا، فنعد إلى قراءة الأية ثم نعيد قراءتها فندرك الحكمة التى من وراءها وهى المحافظة على الأسرة المسلمة وصونها من كل ما يؤدى إلى هدمها ولو كان السبب النظر، مجرد النظر.. والله من وراء القصد.
سورية مقيمة فى مصر
