عشت طوال عمرى مهذباً، صامتاً، التحف بأوراق خضراء عريضة تحت سماء الله الواسعة، أفخر بانتسابى إلى العائلة "القرعية" العريقة، التى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، جدى الأكبر كان موطنه الأصلى الهند، لذلك أفضل غالباً الأجواء الحارة، لكن ما يحز فى نفسى ويؤلم مشاعرى هو أن علاقتى بالبشر تبدو مثل قصة حب من طرف واحد، فقد منحتهم من خلال قشرى وانزيماتى علاجاً طبيعياً لمشاكل الجلد، كما أساعدهم فى علاج بعض اضطرابات الرئة والمعدة والصدر، فضلاً عن أننى علاج فعال للنقرس والتهاب المفاصل والدودة الشريطية، فماذا فعلوا هم فى المقابل؟ وكيف ردوا لى الجميل؟ فى منطقة متخلفة من العالم، حبلى بالصراعات والدماء، تدعى الشرق الأوسط، اجتمع بعض القادة وهم يرتدون البدلة الأنيقة المستوردة والغترة والدشداشة والعقال وقالوا فى قمتهم الشهيرة: إن السلام هو أفضل "خيار" استراتيجى نتبناه فى تعاملنا مع العدو الذى صار صديقاً، والذئب الذى أصبح حملاً وديعاً.
والأمر لم يكن ليعنينى فى شىء، فيلفعلوا ما يحلو لهم، ولكن ما ذنبى أنا حتى أصبح متورطاً فى هذا الصراع، وأمسى هدفاً لتعليقات المعارضين الساخرة وهم يتساءلون: أى "خيار" هذا الذى يجمع عليه العرب؟ إنه بلا شك خيار مخللّ..
إن شجرة عائلتنا تمتد حلقاتها إلى ألف عام قبل الميلاد، وكنا طعاماً معروفاً على مائدة الإغريق والرومان، وفى إنجلترا عشقنا الإنجليز، لاسيما فى زمن الملك إدوارد الثالث، وتعرضنا لفترات طويلة من الإهمال والنسيان، حتى عاد العالم لزراعتنا بشكل منتظم فى أواسط القرن السابع عشر، وطوال هذ التاريخ الموثق، لم نتعرض لهذا الكم من السخرية والتليمحات السخيفة، وإلا ماذا تسمى هذا التعبير الفج الذى يتداوله شعب أُجّل قدماؤه واحترم جدوده هو الشعب المصرى، حيث يقول: احترم نفسك يا أخ.. وإلا هسمّعك من المنقى خيار!
وصحيح أن قيمتى الغذائية قليلة، حيث إن 96% من مكوناتى عبارة عن ماء والباقى خليط من فيتامين A , C إلا أننى منشط جيد للكبد وخافض للحرارة وملين للإمساك، ومدر للبول ومهدئ للأعصاب وعلاج للمزاج السيىء، أنا – وأعوذ بالله من كلمة أنا – وباختصار شديد: صيدلية فى بيوتكم، واسألوا البنات والسيدات عن بركاتى وآياتى فى نعومة البشرة، فهن اللواتى يضعننى فى الحليب ويمسحن بى وجوههن بواسطة قطعة قطن يومياً، وأحياناً يقمن بغليى بالماء، ويخترعن منى "ماسكات" عالمية ليست لسواد عيونى أو "خضار" قوامى، ولكننى لأننى أحتوى على عناصر مهمة – مثل الكبريت – تحافظ على نضارة الجلد، كما
أحتوى على سكريات الـClucides التى تغذى عضلات الوجه، فهل يكون جزائى بعد كل ذلك أن أصبح "تيمة" مكررة على الصفحات الرئيسية فى المواقع الإباحية؟ أن أتحول – على آخر الزمن – إلى علامة تجارية غير مسجلة فى عالم الجنس الإلكترونى وتتقاذفنى أجساد العرايا من الشقراوات والسمراوات، على كل شكل ولون، أمام كاميرات لأنير بطلعتى البهية مجلات البورنو وأصبح إحدى العلامات المميزة فى المواقع إياها؟ ما ذنبى أنا فى أن خلقنى الله بشكل يوحى للبعض بإيحاءات خارجة تعزف على وتر الحرمان لدى جمهور واسع من الزبائين المهووسين بالنصف السفلى من الإنسان، والمشتعل خيالهم على الدوام بفانتازيا العلاقات المحرمة؟
هل أتجاوز الحقيقة فى هذه الحالة إذا قلت أن علاقتى ببنى آدم لم تعد علاقة حب من طرف واحد، بل ما يطلقون هم عليه "اتق شر من أحسنت إليه"؟ لقد كنت فيما مضى أتحسر على سوء الفهم الذى يجعل الإعلامى يتداولنى باعتبارى صنف من الخضراوات دون أن يعرف هؤلاء أننى أصنف علمياً ضمن "الفاكهة"، واسألوا الزراعة، لكنى لم أتخيل أبداً أن يصل الأمر إلى هذا الحد من الإهانة والتجريح، على أية حال، ولكى أؤكد للجميع أننى لا أعرف سوى الخير وسأرد على الإساءة بالإحسان، فسأهديكم فى النهاية هديتين الأولى نصيحة والثانية مفاجأة.
أما النصيحة فتجنبوا تناولى مخللاً، لأنه بتخليلى أفقد معظم الفيتامينات التى أحتوى عليها، كما أننى أحتوى فى هذا الحالة على نسبة عالية من الصوديوم، الذى يضر بصحتكم باعتباره أحد السموم البيضاء!
وأما المفاجأة، فهى أنه يمكن صنع صلصة منى تماماً، مما تصنعون صلة من صديقتى الطماطم، ولن يكلفكم الأمر أكثر من ثمرتين منى مقشرتين ومقطعتين إلى قطع صغيرة مع كوب زبادى منزوع الدسم، وكمية مناسبة من البقدونس بعد تقطيعة أو الكمون والكريمة والشبت ويُخلط كل ذلك جيداً ويُضرب فى الخلاط ثم يُصب الخليط فى إناء ويوضع فى الثلاجة لمدة ساعتين!
كاتب صحفى بالأهرام
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة