أريد أن أصرخ مثل ملايين المصريين وأسأل: أين ذهبت الدولة المصرية؟ أم أن مصر لم يعد فيها دولة من أساسه، وأن كل ما يراه المصريون، من مجلس للوزراء ووزراء ومجلس شعب ومجلس للشورى وهيئات عليا وهيئات رقابية ومراكز للمحاسبة، كل هذا ليس إلا خداع نظر، لا يشى بحقيقة الأمر الواقع فى مصر؟
أسئلة تفلق الحجر إذا كان كتب عليه أن يتابع ما يجرى، ويرى مثل ما نرى، كل يوم تطلع شمسه على بر مصر يثبت أن الدولة فى إجازة مفتوحة منذ زمن طويل، وأن المناصب التى نعرفها، والأشخاص الذين يفترض أنهم يشغلونها، كل ذلك لم يعد إلا صورة ديكور متهدم لم يعد صالحاً لتزوير الواقع أو إخفائه وراء مظاهر كاذبة.
أية دولة، وأى نظام، وأية رئاسة، وأى وزارة، وأى حاجة، ممكن تشرح لنا ما يحدث فى مصر على أنه طبيعى، أو أنه ممكن الحدوث فى أى بلد فى العالم.. هل هناك بلد يتحكم فيه فرد واحد فى مجلس الشعب، الذى يشرع باسم الشعب، فيأمر بإقرار قانون الاحتكار على الوجه الذى لا يضر بمصالحه، ثم يعود فيكتشف أن هناك مادة تحتاج إلى تعديل بعد يومين من إقرار القانون بصفة نهائية، ويعدلها عينى عينك وبدون أى خجل؟.
هل ما نراه تحت القبة فى شارع القصر العينى هو مجلس للشعب فعلاً، أم أنه مجلس أحمد عز ورجال الأعمال الذين يشرعون لمصالحهم، هل فى مصر دولة كل المواطنين، أم سقطت الدولة فى يد حفنة من سارقى أقوات الناس وأموالهم؟
هل تحول دور مجلس الشعب من تشريع القوانين التى تخدم مصالح المصريين، إلى إقرار القوانين على مزاج المحتكرين، وعلى مقاس مصالحهم، وهل أصبح الجالسون على كراسى المجلس مجرد صور ديكور مهمتها تمرير قرارات عز وقوانينه؟
ألفُ ألفِ سؤال تقف فى الحلق.
هل هناك بلد فيه مسئول واحد، يمكن أن يصل فيه التسيب والإهمال والفوضى واللامسئولية إلى أن تسرق الأموال علناً وتحت سمع وبصر الكاميرات المغمضة فى مطبعة البنك المركزى، ونكتشف أن السارقين من بين العاملين فى هذه المنشأة فائقة الحساسية، ثم تمر الحادثة كأن شيئاً لم يقع، وكأن لا أحد مسئول، وكأنها حادثة عادية مثل تلك التى نقرأ عنها فى صفحات الحوادث بالجرائد؟
هل يعقل فى بلد فيه دولة، وفيه نظام، وفيه ناس محترمون، أن يسرق كابلات السد العالى ثلاث مرات تحت سمع وبصر الكاميرات التى تصور ولكنها لا ترى حرامية السد؟
هل يقول أحد، ولو من مستشفى المجانين، أن ما يجرى فى مصر حالياً يمكن حسابه فى خانة العادى والمقبول والمعقول؟
بلد تصل مشاكله إلى حد تسريب مواد الامتحانات فى الثانوية العامة جهاراً نهاراً، بدلاً من أن يكون الحديث عن تسرب إشعاعى من محطات الطاقة النووية، كيف يكون مستقبله؟
هل يعقل فى أى بلد فى العالم أن يقف مواطن أمام البرلمان تصوره عدسات التلفزة وهو يقول على الملأ أن أمين تنظيم الحزب الحاكم والمتحكم فى ترشيحات الحزب لعضوية مجلس الشعب المقبلة تسبب فى خراب بيته واضطره لبيع ميراث والده، ودمره فى مبلغ 2 مليون جنيه، ويهدده بالموت ثم لا يتحرك أحد لمعرفة الحقيقة أو للتحقيق فى الاتهامات.
هل أحمد عز يحكم مصر؟ أم هى فوضى ما قبل صافرة النهاية، نهاية عصر ضاعت فيه الدولة وغابت، فى بريطانيا أقصت الانتخابات الحرة والنزيهة رئيس وزرائها الذى اتهمته المعارضة بأن سياساته تسببت فى مضاعفة عدد العاطلين فلم يغفر له الناخبون، وجاء بحزب وتحالف جديد إلى بيت الحكم، أما نحن فكل رجائنا ألا يبقى الحال على ما هو عليه حتى تصبح مصر فى حاجة إلى مينا موحد القطرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة