كل إناء ينضح بما فيه.. لا أجد سوى هذه العبارة الرقيقة للتعليق على كارثة تحريض بعض نواب الحزب الحاكم بأمره لإطلاق الرصاص على المتظاهرين من أبناء مصر بدعوى أنهم فئة ضالة ضلت الطريق، والتى لم تحمد ربها على حنية الشرطة معها وأصرت على الوقوف بالأسلحة المضادة من لافتات القماش والورق فى وجه عصافير الجنة من جنود الأمن المركزى.
إن ما حدث مؤخراً فى جلستى الأمن القومى وحقوق الإنسان بمجلس الشعب لم يكن مفاجأة من نواب سيد قراره، الذين حرضوا الداخلية على ضرب أبناء شعب مصر الغلابة بالرصاص، لأنهم نتاج طبيعى وإفراز لكمية من نواب الحزب الديمقراطى أمثال نواب القروض والقطط السمان، الذين مصوا دماءنا ونواب الكيف والنائب الصايع ونائب النقوط ونائب القمار ولن يكون نواب الرصاص آخر هذا الإنتاج، بل قد يأتى منهم من يطالب بعودة أيام الاحتلال طالما أنهم يأتون كل مرة بدون إرادة الشعب المغلوب على أمره!!
إن من تريدون ضربهم بالرصاص هم أبناء هذا الشعب الكادح المكافح، هم شباب هذا البلد الذين تخرجوا من مدارسهم وجامعاتهم ولم يجدوا سوى الرصيف، هم شباب فقد الأمل فى توفير الحياة الكريمة التى تساعدهم على مصاعب الحياة وسط الفساد والمحسوبية والرشاوى، هم شباب لم يجد من يحتضن فكرته.. يحتضن أماله.. يحتضن طموحه وحريته فى أن يقول ويصرخ ويفضفض، شباب يقول مصر هتفضل غالية عليا ولا يتغنى بأوهام التطبيع مع عدو بلاده.
إن من تريدون ضربهم بالرصاص لم يقفوا بالأسلحة فى وجه النظام، ولكنهم أرادوا أن يأخذواً حقاً دستورياً فى التظاهر من أجل أن يقولوا لا للفساد ولا للرشاوى ولا لكل من يحاول النيل من حقوق الغلابة المطحونين.
إن من تريدون ضربهم بالرصاص ليسوا من مرتزقة النظام وليسوا من مصاصى الدماء أو أحفاد هولاكو، ولكنهم أبناء مصر أحفاد رجال مصر فى ثورة 19 الذين زلزلوا الأرض من تحت أقدام الإمبراطورية، التى كانت لا تغيب عنها الشمس، هم أحفاد المصريين الذين سالت دماؤهم على كوبرى عباس وهم يتلقون بصدورهم رصاص الاحتلال دفاعاً عن استقلال مصر، هم شباب ثورة يوليو الذين أجلوا الإنجليز عن مصر.. هم أبناء الفلاح والعامل والموظف المصرى الذين يريدون التعبير عن إرادتهم فقط وليس حمل السلاح فى وجه النظام.
إن من حرض على ضرب أبناء مصر المتظاهرين، سواء من حركات شرعية أو غير شرعية، هو الذى يمكن أن يتعرض للفتك به من أبناء دائرته المحرومين والجالسين على المقاهى دون عمل والمرضى الذين استولوا على خطابات علاجهم على نفقة الدولة لصالح الكبار والعرايا، الذين لا يجدون ستراً ولا حجرة لإيواء أطفالهم ولا من يسأل عنهم سوى أيام الانتخابات.
إن من يستحق الضرب هم من تركوا شباب مصر يهرب إلى الموت فى طرق الهجرة غير الشرعية ويكون غذاءً لأسماك البحار المتوحشة، هم من استولوا على أموال البنوك وهربوا لينعموا بها فى الخارج، هم من أغرقوا البلاد بالمبيدات المسرطنة التى أكلت أجساد المصريين، هم من جعلوا الوظائف لأبنائهم ومحاسيبهم وتركوا أبناء الشعب المطحون ضحايا للبطالة، هم من اعتادوا على التصفيق والطبل والزمر للحفاظ على كراسيهم ومناصبهم، هم من بطشوا ونهبوا وسرقوا أموال المصريين وحريتهم.
صحفى بالوفد