دعنا أيها القارئ العزيز،أن نرحل معك اليوم بعيدا عن عالم الأزمات والصراعات، عن آلام اليأس والمرارة فى عدم تحقيق الآمال والأحلام عن كل المنغصات والتحديات، عن الجرى وراء لقمة العيش وعن كل ما من شأنه أن يثير الأعصاب ويجهد التفكير ويعكر الصفو، سنترك كل ذلك وراء ظهورنا ونتجه إلى الطبيعة البكر لتقضية بضعة ساعات نريح فيها النفس المتعبة، هناك بعيدا على قمم جبال الألب حيث الروعة والجمال وإبداع الخالق فى تناغم وتناسق الزهور والأشجار مع الصخور الصلبة الصماء.
لبينا دعوة صديقنا ماركوس، الذى يعيش فى منطقة "مورناو" البافارية الجميلة الواقعة فى أحضان جبال الألب فى جنوب ألمانيا، معه سنذهب فى جولة جبلية ألبية للتعرف على الطبيعة فى تلك المناطق الخلابة الزاهية بالخضرة والمعطرة بأريج الأزهار.
هى ليست جولة بالمعنى المباشر للكلمة، فصعود جبال الألب مشيا على الأقدام فى طرق ملتفة وملتوية وسط نباتات وأعشاب وجداول مياه تناسب بين صخور الجبال هنا وهناك، هى رياضة جميلة معروفة ومشهورة بين كل سكان المدن والقرى القريبة من جبال الألب، يقولون عنها إنها رياضة مفيدة للنفس والجسم معا، فغير تقوية العضلات والتمتع بالهواء النقى، فإن تعبها اللذيذ يريح النفس من التوتر ويساعد على نوم عميق وهادئ.
فوق قمم ومنحدرات وسفوح الجبال تتناثر بيوت سكان القرى الألبية، وهم يعتمدون فى معيشتهم بشكل أساسى على تربية الأبقار وصناعة مشتقات الألبان، البيئة هنا تبدو شديدة النظافة، والمشاهد الطبيعية أكثر من رائعة وكل ما تقع عليه العين جميل وأخاذ، لقد رسمت الطبيعة هنا أجمل صورها الحية الماثلة للعين، قطعان الأبقار التى ترعى فى البرية فى صمت جميل لا يقطعه إلا شقشقات الطيور التى تغرد وتحلق متنقلة على هذا البساط الأخضر الممتد يشعر الإنسان بالسكينة والهدوء،كنا قد وصلنا إلى أحد بيوت القرويين الذى يمتك مزرعة للأبقار المخصصة لإنتاج الألبان.
يبدو البيت شديد الأناقة، ومشيد على مساحة كبيرة تتبعه حظيرة كبيرة، وتلفه المروج الخضراء من كل جانب.. تتدلى الزهور الحمراء والبيضاء من شرفات واجهة المنزل كعادة سكان الألب.
يعمل السيد "اوتنر" هو وزوجته فى المزرعة المجهزة بكل بكل الآلات الحديثة التى تساعدهم فى تربية وتغذية الأبقار ويقول عن ذلك، إننا ننتج الألبان الحيوية النقية، أى الطبيعية والخالية من أى كيماويات، لأن تغذية الأبقار هنا طبيعية 100% لا تدخل أى كيماويات أو نباتات معدلة وراثيا فى تغذية الأبقار.
لا توجد هنا زراعة معينة إلا بعض الخضروات والزراعات الخاصة التى تستخدم للعائلة فقط، لأن الأساس هنا هو تربية الأبقار، والاهتمام فقط بالعشب الذى يستخدم فى التغذية.. القرويون هنا يمتلكون أيضا هكتارات من الغابات الكثيفة المحيطة بالمكان، ولهم الحق فى استغلال أخشابها وبيعها أو استخدامها بالطريقة التى يرونها وعلاقتهم بالأخشاب تبدو فى كل مكان وركن هنا فالخشب يدخل فى كل شىء، إنهم يستخدمونه فى التدفئة وفى صناعة لعب الأطفال والديكورات وبناء البيوت وأثاث المنازل، إنهم أيضا صناع مهرة يصنعون كل هذه الأشياء بأنفسهم، فهم يجيدون بناء المنازل وهم نجارون ممتازون أغلبهم يلحق بمنزله ورشة نجارة كاملة تشتمل تقريبا على كل الأجهزة.
انتهت الرحلة بوجبة طازجة من النباتات والأعشاب البرية الجبلية مع الجبن المطبوخ طعام قدمه لنا صاحب المنزل، وهو يعدد منافعه الصحية بعدد ما يحتويه من نباتات لكل منها فائدتها للصحة وللجسم، وجبة شهية لم يكن للحم نصيب فيها، فهم يعرفون ما يفيد الجسم وليس ما يحشو الجسم.
* إعلامى مصرى مقيم فى ألمانيا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة