د. محمد سيف

ساركوسست

الإثنين، 10 مايو 2010 02:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ساركوسست هو نوع من الأمراض الطفيلية التى أثير حوله جدل إعلامى كبير فى الآونة الأخيرة حال اكتشاف وجوده فى اللحوم المستوردة من الهند.

الأمر الذى دفع السفارة الهندية بالقاهرة بالدفاع عن اللحوم الهندية فى بيان لها بأنها لحوم سليمة، وأن هذا الطفيل، الذى تم اكتشافه، ليس له آثار مرضية على الإنسان وأن هناك من يروجون لهذه الشائعات ممن لهم مصالح فى عدم استيراد اللحوم الهندية.

كما أن مستوردى هذه اللحوم قاموا كطرف آخر متضرر بالدفاع عن اللحوم التى يستوردونها، ثم راحوا يعددون كم الخسائر التى تلحق بهم والمتمثلة إما فى رد الشحنة من اللحوم على نفقتهم، أو إعدامها، فلم يتحملون الخسائر وحدهم، وبخاصة أن استيرادهم جاء بعد قيام لجنة من الطب البيطرى بالكشف على الحيوانات فى بلد المنشأ، وهى الهند، فتحول الأمر من كونه ملفا يتعلق بالصحة إلى ملف سياسى واقتصادى، ولكن ما هى حقيقة هذا الأمر؟ وما هو قول العلم؟ وما هى الإجراءات الواجب اتباعها فى هذه الظروف لتلافى مثل تلك المشكلات؟

بداية لابد أن نتعرف على الساركوسست، فالساركوسست هو واحد من الميكروبات الطفيلية التى تصيب الإنسان والحيوانات والطيور والزواحف، ويوجد منه مائة وثلاثون نوعا، ولكن ما يصيب الإنسان منها نوعان فقط، وهما ساركوسست بوفيهيومنس، وهو ينتقل للإنسان من أكل لحوم البقر والجاموس المصاب، والنوع الثانى وهو ساركوسست سيويهيومنس، وهو ينتقل للإنسان جراء أكل لحوم الخنزير.

ولكى نتعرف على كيفية إصابة الإنسان بالمرض لابد من أن نتعرف على دورة حياة طفيل الساركو سيست، فهذا النوع من الميكروبات الطفيلية يمر بعدة مراحل أثناء تطوره وتكوينه، منها مرحلتين رئيسيتن، واحدة منها فى الإنسان والأخرى فى الحيوان، حيث يعتبر الحيوان عائلا وسيطا للطفيل والإنسان عائل نهائى، فى دورة مستمرة بين الإنسان والحيوان، فالإنسان يقوم بإفراز الطور المعدى للمرض فى فضلاته ليقع على ما يتناول الحيوان من غذاء فيصل إلى دم الحيوان من خلال عملية الهضم والامتصاص ليستقر فى النهاية فى العضلات ومنها عضلة القلب ليبدأ بعملية التكاثر اللاجنسى مكونا حويصلات لا ترى بالعين المجردة وهو ما لايمكن كشفه بالفحص الظاهرى للحوم.

فإذا ما تناول الإنسان هذه اللحوم المصابة، وبخاصة عندما لا تكون جيدة الطهى فإنه فى العادة لا تظهر عليه أعراض مرضية، حيث يتعامل الجهاز المناعى بشكل جيد مع هذا الطفيل المرضى، ولكن فى حالة انخفاض مستوى المناعة لأسباب كثيرة منها التلوث ومنها عمر الإنسان وحالته الصحية وغيره من الأسباب، يبدأ الطفيل فى مهاجمة الخلايا المبطنة لجدار الأمعاء، ليحدث حالة من الالتهاب المعوى ينتج عنها آلام ومغص ورغبة فى القىء وإسهال، وذلك خلال ساعات من تناول اللحوم المصابة ثم تعاوده الأعراض ثانية بعد عدة أيام من الإصابة، وفى حالات نادرة وجد أن هذا الطفيل يصيب الإنسان كعائل وسيط فتم اكتشاف وجوده فى عضلات الإنسان فى بعض الحالات التى تعرضت للتشريح بعد الوفاة.

وهناك أنواع من طفيل الساركوسست تكون دورة الإصابة فيه بين الماشية ( الجاموس والأبقار ) كعائل وسيط وبين القطط والكلاب كعائل نهائى، حيث تقوم القطط والكلاب بالدور الذى يقوم به الإنسان فى إصابة الماشية بالطور المعدى نتيجة لتلوث غذاء الحيوان به، ولكن فى هذه الحالة يصل حجم الحويصلات فى لحوم الماشية إلى بضعة سنتيمترات يتم رؤيتها بالعين المجردة، وهو ما يمكن التعرف عليه بالكشف الظاهرى وهو ما حدث فى اللحوم الهندية.

وهنا سؤال قد يطرح نفسه، إذا كانت اللحوم مصابة بأنواع الطفيل التى تصيب الإنسان فمن المنطقى أنها تصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمى، فما بالنا بتلك التى تصيب القطط والكلاب؟ وتأتى الإجابة على هذا التساؤل بأن هذا الطفيل يضر باللحوم، حيث تتغير خواصها، ويؤدى إلى تكون أنسجة ضامة وهى نوع من البروتين الذى يصعب هضمه مما يصنف هذه اللحوم كلحوم من الدرجة الرابعة إضافة إلى انخفاض فترة الصلاحية لهذه اللحوم وتعرضها للفساد والتلف السريع، كما أن رؤية الطفيل بالعين المجردة يجعل هذه اللحوم منفرة، أضف إلى ذلك أنه يخشى من اكتمال دورة الإصابة بالطور المعدى من هذا الطفيل بما يؤدى إلى انتشار المرض فى الحيوانات المحلية مما يؤثر على صحة الحيوان ويقلل من قدراته الإنتاجية.

ولكن أين دور لجان الفحص المصرية التى تسافر إلى دول المنشأ؟ نقول إن دور هذه اللجان هو التأكد من الذبح وفقا للشريعة الإسلامية،‏‏ ومناظرة الحالة الصحية للحيوان خشية أن ينقل الأوبئة للوطن كالحمى القلاعية،‏‏ والطاعون البقرى، ‏ أو ما شابه ذلك،‏‏ ومهمة هذه اللجان هى الفحص الظاهرى، ‏‏ لكنها ليست مسئولة عن تقرير صلاحية اللحوم لأن ذلك تحدده قوانين محلية‏ لدولة المنشأ وقد يكون القانون المصرى مختلفا عن القانون الهندى، ‏لكن حينما تدخل هذه اللحوم مصر لابد من فحصها معمليا‏، وهنا لابد أن نلفت النظر إلى أنه حال توقيع الاتفاقيات مع هذه الدول فلابد أن ينص فيها على ضرورة قيام لجان الفحص المصرية بفحص هذه اللحوم ظاهريا ومعمليا حتى يمكن تلافى مثل تلك المشكلات قبل تصدير هذه اللحوم إلينا.

وعليه فإن الإجراءات الواجب اتباعها فى هذه الظروف لتلافى مثل تلك المشكلات تتلخص فى أنه لابد من التأكد من أن بلد المنشأ من الناحية الوبائية الحيوانية خالية من الأوبئة بما يسمح بالاستيراد منها‏‏ مع مراعاة اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير المحجرية اللازمة التى تضمن سلامة الرسائل المستوردة للغرض المستوردة من أجله‏،‏ وذلك من أجل حماية المستهلك المصرى وحرصا على الصحة العامة من ناحية‏، والصحة الحيوانية من ناحية أخرى‏ حتى لا تتعرض ثروتنا الحيوانية لأية مسببات مرضية ذات منشأ حيوانى‏.‏

كما أنه ينبغى معاينة المجازر ببلد المنشأ بواسطة اللجان البيطرية الفنية الموفدة من الهيئة العامة للخدمات البيطرية‏،‏ وثبوت صلاحية هذه المجازر من الناحية الصحية‏‏ وتطبيقها للذبح وفقا للشريعة الإسلامية‏‏ كما يشترط إيفاد لجنة فنية بيطرية متخصصة لفحص الحيوانات ومناظرتها ظاهريا قبل الذبح والتأكد من سلامتها‏،‏ كذلك الإشراف على تجهيز اللحوم وتعبئتها وإعدادها للشحن‏‏ والتأكد من المجموعة العمرية، بحيث لا تزيد على عامين‏‏ فضلا عن التأكد من نوع الحيوان من الذكور وليس الإناث، إلى جانب ذلك يتم التأكد من أنه يتم إنتاج اللحوم طبقا للمواصفات القياسية المصرية‏.‏

وإذا كان هناك ثمة تعليق على بيان السفارة الهندية فلابد القول إنه كان ينبغى على السلطات المسئولة فى الهند حال قيامها بفحص هذه اللحوم سواء ظاهريا بعد الذبح أو فى معاملها أن ترفض إرسالها إلينا، وذلك من باب الحفاظ على سمعة لحومها وخاصة أن هذه ليست المرة الأولى التى يثار فيها هذا الموضوع بل أثير قبل ذلك فى عام 2002 ميلادية.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة