إننى أستطيع أن أعطيك قلبى.. فأصبح عاشقا. أعطيك طعامى.. فأصبح جائعا. أعطيك ثروتى. فأصبح فقيرا. أعطيك عمرى.. فأصبح ذكرى. ولكنى لا أستطيع أن أعطيك حريتى. إن حريتى هى دمائى، هى عقلى، هى خبز حياتى. إننى لو أعطيتك إياها فإننى أصبح قطيعا شيئا له ماض و لكن ليس أمامه مستقبل.
هكذا جاءت كلمات الراحل محمود عوض فى كتابه (أفكار ضد الرصاص) الذى يجسد قضايا متمردين ثاروا بكلماتهم و دفعوا ثمنها لسنوات طويلة.
و أرى أننا نعيش الآن فى واقع يشجع إطلاق الرصاص على المتظاهرين ليس بدعوة من النظام و لكنها من أحد نواب مجلس الشعب.
هؤلاء النواب الذين يمشون بالأغلبية و الموافقة، وقفوا يطالبون بردع كل من تسول له نفسه فى الخروج بمظاهرات وكأنهم ليسوا بنواب للشعب و لكنهم نواب للمصالح.
إذن ففى دعوة إطلاق الرصاص دعوة لتكميم الأفواه و التحدث بلغة من يرضى عنهم النواب فقط. فمن هم الشعب أم ماذا؟
أحب الحرية و أعشق هواها و أتمنى أن يمارسها الصغير والكبير بمسئولية لا بهمجية.
لكن عندما نقتل الحرية فنحن ندعو للجبن أن يعيش خالدا. فالجبن يتحقق بإعدام الحرية، و الشجاعة تتحقق بانتشار الحرية. و السؤال هنا هل نحن فى خندق الجبن أم فى عرين الشجاعة أم أننا لا نعرف طريقنا أم ماذا؟
لم أدخل طوال حياتى فى مظاهرات و كل علاقتى بها مجرد تعبير عن الرأى لا يخرج عن حدود النظام لأن من يدعو لمثل هذه التظاهرات هو إنسان يملك العقل معبرا عن رأيه و ليس مخربا لوطنه.
إن الكل يعيش تحت سلطة من هو أعلى منه و التعبير عن الرأى فى مظاهرة لا يشكل خطورة طالما كان العقل يدير رأسها لا الخراب يركب رأسها.
و هل التعبير عن الرأى جريمة يعاقب عليها أصحابها بالتعرض لإطلاق الرصاص؟
و هل نواب مجلس الشعب يحبون مصر أكثر من المتظاهرين وهل يجب أن نطلق الرصاص على أهلنا و نوزع القبلات و الابتسامات على أعداءنا.. هل هذه هى السياسة؟
إذن هذه سياسة تريد المواطن شجاعا فى مواجهة عدوه، جبانا فى مواجهة حاكمه.
سياسة تدعو المواطن ليكون جبانا فى مواجهة ماضيه، شجاعا فى مواجهة مستقبله.
و أتذكر الماضى فى ثورة 1919 و التى راح فيها شهداء من المصريين برصاص الانجليز فى المظاهرات فهل تحب ان تسمع عن ضحايا مصريين برصاص مصريين؟
لك الله يا مصر فهى بلد العجائب، النائب ليس مع الشعب، و الشعب لا يهمه سوى قوت يومه، و النخبة من المثقفين تريد الإصلاح و كل بوجهة نظره.
و هذه (الخلطة) العجيبة ليس لأن الذى بناها كان أصله “حلوانى".
و لكن الموضوع و ما فيه أننا نسير بمبدأ إما أن نقنع الناس بما نقوله أو نضربهم بالرصاص، و هذا ليس على مستوى السياسة و لكن على مستوى حياتنا نحن نرى من هو ضدنا أنه يكرهنا و لا نحترم ثقافة الرأى.
و عندى شك أصبح يقينا عندما كان القدير محمود يس يحتفظ برصاصته فى فيلمه ( الرصاصة لا تزال فى جيبى ) وذلك حتى يأتى اليوم و تستخدم ضد من يلعب الشيطان فى رأسه و يقرر الخروج فى مظاهرة.
