إلى أين وصلت مشاعر الحب فى زماننا؟، حيث الفوضى من كل جانب، والسرعة فى كل شىء بات أمراً محتوماً لا مهرب منه.. فهل ثمة وقت للحب ولتلك المشاعر الرومانسية النقية التى رافقت الإنسان منذ زمن بعيد حتى عصر منصرم.. لتجد نفسها هذه المشاعر غريبة عن عصر التكنولوجيا، وبات ضيق المكان يلفظها ويقول لها: أكل الزمن عليك وشرب.. فأين أنت منى.
عندما كان الحب يدق القلب.. وكان الحبيب يتربع على عرش هذا القلب.. كان كل شىء مختلف، بينما الآن كل شىء اختلف حتى الحب نفسه اختلف وأصبح سريعاً كسرعة العصر الذى نعيش فيه، لهذا نرى أن الكثير من قصص الحب فى زماننا تنتهى بالفشل وبسرعة كبيرة، حتى أن الحبيب لم يعد يمتلك كلمات يصف فيها محبوبته، لأنه حتى عبارات الحب استُهلكت ولم يعد يتحمّل الحبيب معاناة التفكير بكلمات حب جديدة يكتبها لحبيبته، لأن الوقت لديه ضيق.
ولو عدنا للتاريخ سنجد العديد من قصص الحب لا تزال تحكى على كل لسان، فهاهو قيس ابن الملوح الذى أحب ليلى، وهاهو قيس بن ذريح الذى أحب لبنى، وهاهو عنترة ابن شداد الذى أحب عبلة، وهؤلاء كتبوا أجمل القصائد بحبيباتهم، وكذلك الشاعر الأندلسى ابن زيدون الذى أحب ولادة بنت المستكفى وكتب فيها أجمل كلام قيل فى الحب، ولا ننسى قصة الحب الشهيرة التى جمعت روميو وجولييت.. هذه القصص من الحب لو تساءلنا عن سبب استمرار الحديث فيها حتى يومنا هذا.. لا شك أننا سنجد أن هؤلاء رغم الأوضاع التى كان يعيشها الناس فى زمان هؤلاء، إلا أن الوقت ربما كان لديهم أكثر هدوءاً من وقتنا اليوم، فاليوم الكثيرون لم يعد لديهم وقت للحب الذى أصبح غائباً عن القلب، لأن القلب نفسه بات عليلاً لافتقاده له، والعيون افتقدت للبراءة لافتقادها مشاعر الحب التى كانت تملأها بالإشراقة والحياة، وباتت الوجوه مكفهرة تحمل الشحوب بدلاً من النضارة.. وما سبب ذلك كله؟.. وهل اختلف مفهوم الحب عما سبق؟.. أم أنه اختفى من حياتنا كما اختفت الكثير من المفاهيم الجميلة التى كانت سائدة فى يوم من الأيام؟
امرأة أربعينية قالت، ما زلت أذكر أول دقة قلب لابن الجيران، ولا أزال أذكر أول لمسة يد منه التى حرمتنى النوم عندما كنت فى سن العشرين من عمرى. وامرأة أخرى تؤكد أنها لا تزال تذكر أول قبلة من حبيبها وشريك حياتها ليلة زفافها، وأخرى تحن لتلك الأيام الشتوية التى كانت تنتظر فيها حبيبها ليمر من أمام بيتها لتراه "فقط" ولا شىء آخر.
بينما الآن حتى الأشياء لم تعد تشبه الحب، فالحب لا شىء يشبهه سوى ما يصدر عنه من أحاسيس وشوق وحنين لرؤية وجه الحبيب، ولكن أين هذه الأشياء الآن؟ وأين الاحترام لتلك المشاعر المتعلقة بالحب نفسه، ونذكر هنا قولاً للكاتب المسرحى الإنكليزى "شكسبير" عندما قال "تكلم هامساً عندما تتكلم عن الحب".. وهذا إن دل على شىء لا شك يدل على ضرورة احترام الحب أولاً والحبيب أيضاً. وكم سمعنا عن حالات عشق أودت بحياة أصحابها إلى المرض النفسى أو إلى الانتحار، بسبب الآلام التى يسببها الحب للمحب إذا حدث فراق، وهو أمر كان معروفاً سابقاً، فى حين الآن أصبح العديد من الناس يتنقلون بمشاعرهم من شخص لآخر "فإذا ما صلح هذا يصلح ذاك" حتى علاقات الحب أصبحت علاقات سريعة لا تتجاوز المدة القصيرة، وهيهات لعلاقة حب حقيقية فى يومنا هذا وإن وجدت فبنسب قليلة جداً، وأصبحت هذه العلاقات تحيط بها الكثير من الأشياء البعيدة كل البعد عما يسمى "حب".
لقد كتب الشاعر الدمشقى القديم "أحمد العناياتى" يقول:
فيا مدّعى العشق أين الشهود
من الدمع والجسد المدنف..
وأين الحنين، وأين الأنين..
وأين الوفا لمن لا يفى..
وليت كان شاعرنا الدمشقى لا يزال على قيد الحياة ليلمس الإدعاء فى الحب فى وقتنا الراهن، وليرى غياب الحنين والأنين والوفاء ولكن "لمن يفى".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة