تحتفل مصر، فى الأول من مايو، بعيد العمال وتأتى هذه المناسبة الكريمة للعام الحالى فى ظل حراك مجتمعى جديد يتمتع بقدر كبير من الديمقراطية والموضوعية، ويرجع الفضل فى ذلك للرئيس مبارك، الذى أسبغ على المجتمع المصرى نعمة الحرية وقد استثمر المواطن هذا المناخ الديمقراطى فى قراءته للأوضاع الاقتصادية الراهنة وفى نظرته الثاقبة لظروف قطاعات العمل المتأزمة فخلع عن نفسه عباءة الاستسلام واختار لها طريقة مثالية ليعبر من خلالها عن مطالبه بتعديل أوضاعه الوظيفية والمعيشية بمجابهة الحكومة، وذلك عبر وقفات سلمية ووفق أطر قانونية.
وكان موظفو الضرائب العقارية هم أول من عبّروا عن مطالبهم بالإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات السلمية أمام مجلسى الشعب والشورى منذ أكثر من عام فى صورة راقية كشفت النقاب عن مشاكل ما يزيد عن 24 مليون عامل يمثلون كل من قطاع الحكومة وقطاع الأعمال والقطاع الخاص بالدولة.
وحقيقة الأمر أن هذه الوقفات الاحتجاجية هى الأولى من نوعها وكانت بمثابة نقطة انطلاق جديدة لمئات العمال اللذين أعطوا للحكومة انطباعا مغايرا يدل عن فهم واع وثقافة مستنيرة يكرسونها فقط فى مطالبهم الدؤوبة للدفاع عن حقوقهم وتعديل أوضاعهم.
فوقفوا فى ساحة البرلمان أياما وأسابيع لم تسن عزيمتهم صعوبة الأحوال المناخية ولم يسئموا من صمت المسئولين المطبق، بل ظلوا يعرضون مطالبهم ويلحون فى الطلب وذلك حين أحسوا من الحكومة قصورا فى واجبها نحوهم وتأبيّها فى أن تستمع إليهم أو تستجيب لمطالبهم وهم فى مقار عملهم.
وكأنها تعلن بذلك عن استقالتها من مهامها الموكلة إليها، وخاصة إدارة أصول القطاع العام فاضطرت مختارة أو مجبرة إلى التخلص منها بالخصخصة ثم بيعها لمستثمرين أجانب دون ضوابط ثابتة تكفل للعمال المواطنين استمرارية العمل وتقاضى الأجور فى غير تعسف أو قهر وكأنها أيضا بهذا الحل كمن يستجير بالرمضاء من النار.
ولما كان بيع أصول القطاع العام قد تم دون أخذ الضمانات الكافية لحماية العمال فكانت النتيجة أن المستثمر الأجنبى يقف الآن بهم عند مفرق طرق وبات الآن على طرفى نقيض والأمر بيد المستثمر لا بيد الحكومة فهو يتحكم فى أقواتهم ومستقبلهم الوظيفى رغم أنهم لم يزالوا يعيشون على أرض مصر الغالية.
والغريب فى الأمر أيضا أن الحكومة تقف عن كثب تنتظر ردة الفعل بين المستثمر والعمال فى ترقب ومشاهدة كما هو الحال مع عمال شركة كتان طنطا دون أن تسعى إلى إيجاد حل قاطع لمشاكلهم العالقة مع المستثمر بل تكتفى فقط بواسطة معالى وزيرة القوى العاملة عبر مساع لم تؤت ثمارها حتى الآن.
المؤكد أن تداعيات الخصخصة قد ألقت بظلالها القاتمة على سوق العمل فى مصر وأصابت العمال بهواجس المستقبل بعد أن أمست البطالة خطرا يقلقل العاملين فى مصانعهم ومتاجرهم بسبب زيادة العمالة الفائضة.
ورغم أن الرئيس مبارك قد عهد إلى الحكومة تنفيذ برنامجه الانتخابى عن الفترة الرئاسية التى تنتهى بحلول سنة 2011 بيد أنها لم تراع ذلك فى سياستها بما يتواءم مع ما يتضمنه هذا البرنامج الرشيد من إصلاحات اقتصادية وسياسية بما يكفل للمواطن العدالة الاجتماعية ويوفر له 5 ملايين فرصة عمل ولو أننا وقفنا وقفة قصيرة عند الإصلاح الاقتصادى لوجدنا أنه لا يتأتى إلا بسواعد العمال ومساهمتهم الفاعلة فى قاطرة الإصلاح و التنمية الوطنية0
كما أن العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا بتوافر فرص عمل متكافئة ورفع معدل الأجور إلى 1200 جنية كحد أدنى مع تثبيت الأسعار وهذه مطالب عادلة وتحتاج إلى تدخل مباشر من الرئيس مبارك بغض النظر عن مزاعم الحكومة التى ترى فى كل الأحوال بأن زيادة الأجور تسبب لها عجزا كبيرا فى الميزانية لا تستطيع تسويته بالرغم من وجود موارد هائلة بالدولة.
والسؤال هنا لو أن مزاعم الحكومة حقيقة بالنسبة لزيادة الأجور فكيف يتسنى لها أن تمنح رواتب شهرية لعدد من مستشارى الوزراء ورؤساء قطاعات الأعمال وغيرهم تبدأ من ثمانين ألف جنيه حتى تصل إلى مليون وربع مليون جنيه بموجب القانون؟ فى الوقت الذى يتقاضى فيه موظف آخر يتمتع بنفس الكفاءة والدرجة راتبا قدره ألف جنيه أو يزيد قليلا؟
ناهيك عن الموظف الذى يتقاضى مائتان وخمسون جنيها وآخر مدرس فى التربية والتعليم يتقاضى راتبه بالحصة ومجمله تسعون جنيها وموظف هيئة الاستعلامات الذى لا يزيد راتبه عن تسعين جنيها ويعمل بعقد مؤقت وبالقياس بينهم وبين النخب الرفيعة فإنك ستجد إضرارا بالموازنة العامة وإخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص فضلا عن اتساع الفوارق الطبقية فى المجتمع ليصبح قلة ثرية وكثرة معدمة.
ولكن ماذا لو أن الحكومة أطلعت المواطن على حقيقة الأمور التى تعنى لها أمنا قوميا أو أمر سياديا للوطن فتضعه معها فى الصورة ويقف منها عن كثب لفهم هذه القرارات المصيرية؟
وماذا لو رشّدت الحكومة من بذخها وقللت من إهدارها للمال العام وأحسنت إدارتها للأصول المملوكة للدولة وأعدت خطتها للمستقبل على أسس علمية وموضوعية مجردة من الأهواء التى تصب فى صالح البعض دون الآخر، مما قد يعرض معها أمن مصر القومى للخطر؟
وماذا لو أن الحكومة اهتمت بتنفيذ المشاريع التنموية التى أعدها العالم الكبير فاروق الباز لزراعة واستصلاح صحراء مصر الغربية كما أخذت بعلمه فى صحراء مصر الشرقية وتحديدا فى منطقة شرق العوينات؟
وماذا لو اهتمت الحكومة بحفر الآبار فى الصحراء الغربية ومنحت المواطن البسيط قطعة أرض ووفرت له مصادر الرى وسبل الإعاشة بعيدا عن بيروقراطية النظم الإدارية والمصالح المشتركة بين النخب فى مصر؟
أغلب الظن لو أن الحكومة حققت كل ذلك فمن غير شك أنها ستكون قد وضعت قاطرة الإصلاح و التنمية على الطريق الصحيح نحو المستقبل الزاهر وتكون أيضا قد رفعت عن نفسها وعن القيادة السياسية الحرج أمام المواطنين.
رمضان محمود عبد الوهاب يكتب: ماذا ستقدم الحكومة للعمال فى عيدهم؟
السبت، 01 مايو 2010 12:28 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة