بعد الارتفاع المفاجئ فى أسعار اللحوم، تذكر البعض ما حدث فى فترة السبعينيات حينما خرج المصريون محتشدين وغاضبين من ارتفاع أسعار اللحوم مرددين "سيد بيه يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه" وموجهين هتافهم هذا إلى سيد مرعى رئيس مجلس الشعب، وعلى الرغم من استجابة الحكومة آنذاك وقيامها بتخفيض الأسعار، إلا أنه وبعد مرور أكثر من ربع قرن على هذه الواقعة الشهيرة لم تنخفض أسعار اللحوم، ولم يقم المصريون بمسيرة سلمية مشابهة لتلك، وربما يكمن السبب فى عدم انسياب سجع الهتاف "سرور بيه يا سرور كيلو اللحمة بـ60 جنيه"! أو ربما لأسباب أخرى حاولنا معرفتها فى السطور القادمة..
تتواجد العديد من محال الجزارة فى مدينة شبرا الخيمة، تلك المدينة الشعبية التابعة لمحافظة القليوبية والتى يقطنها مواطنون أغلبهم ممن يطلق عليهم "محدودو الدخل" الذين ربما ينتظرون الأعياد السنوية أو المواسم الدورية أو الأشهر لتناول اللحوم، إلا أن الأسعار التى تفاوتت من محل لآخر دون وجود أى أسباب واضحة إنما هى دليل صارخ على عدم وجود ضابط للأسعار فيما اصطُلح على تسميته بأسواق الفقراء التى تعدّ من أولى الأسواق الجديرة بتحديد الأسعار.
ففى الوقت الذى ازدهرت فيه تجارة الطيور وبيع الدواجن، لم تشهد جزارة الحاج محمود محجوب للحوم الجملى والتى تقع فى أحد أشهر الشوارع بشبرا الخيمة وهو شارع الصفتى، الرواج الشرائى الذى كان فى الماضى بعد الارتفاع فى الأسعار حتى وصل سعر الكيلو إلى 60 جنيها.
أكد الحاج محمود محجوب، أنه يراعى أسباب غضب المشترين للحوم ومقاطعتهم لها، ولكنه وفى نفس الوقت لم ينف تأثيره بمثل هذه المقاطعة قائلا "لابد أن يراعى الجميع أيضا أن الجزار مثله مثل باقى فئات الشعب وهو ليس غنيا بالفطرة بل نتيجة مجهود سنوات، ولذا من غير الطبيعى أن يلام الجزارون وحدهم فى مثل هذه القضية ولكن لابد من النظر إلى الأزمة برمتها، فأنا لدىّ أربعة أبناء ثلاثة منهم فى المرحلة التعليمية الجامعية فى جامعة 6 أكتوبر الخاصة، وبالتالى يحتاجون إلى مصاريف طائلة حتى يعيشوا فى نفس المستوى الذى يكون عليه أصدقاؤهم".
ومن زبائن الحاج محمود السيدة سناء أحمد "50 عاما" التى وصفت اللحمة بأنها "مؤذية للشعب المصرى بأجمعه" قائلة إنها امتنعت عن شراء اللحمة منذ زمن بعيد نظرا لارتفاع أسعارها إلا لو شاركت فى جمعية فبمجرد حصولها على فلوسها تشترى لحمة، ولذلك فهى عكفت على شراء البديلة ألا وهى اللحمة المجمدة ولكن عندما سمعت أن بها "ديدان وتعابين" امتنعت عن شرائها أيضا.
وأضافت سناء التى تعمل بمبدأ "الصبر مفتاح الفرج" شراء اللحمة أو تناولها بالنسبة لى بمثابة سعادة جمة تغمرنى ولكن ارتفاع أسعارها لا يعنى مشاركتى فى مظاهرات حتى أطالب بانخفاضها لأننى ضد المظاهرات ولا أفضل الدخول فى مجال السياسة، ثم إننى لن أكون سببا فى إصلاح أى شىء ولن يتم إصلاح أى شىء فى هذا البلد".
كما أشارت سناء إلى معاش زوجها المتوفى "500 جنيه" حيث ذكرت عنه إنها لو كانت اكتفت به لوصل بها الحال إلى إطلاق أبنائها الخمس فى الشوارع حتى يسرحوا بمناديل، ولكنها كافحت وامتهنت عدة أعمال لتستطيع أن تكمل تعليم جميع أبنائها حتى المرحلة الجامعية، وزوجت ثلاثة منهم ومع ذلك لا تشعر الحكومة بها وبمثل من هم فى حالاتها وتقف مكتوفة الأيدى تجاه ارتفاع الأسعار فى جميع السلع الغذائية وليست اللحمة وحدها.
أما رشا رمضان "40 عاما، ربة منزل" فقد قالت إنها لابد أن تتناول اللحمة هى وأولادها مرة كل شهر ويبلغ الكيلو الواحد نحو 50 جنيها على الرغم من أنها لحمة مستوردة، رافضة رفضا تاما مقاطعة اللحمة، نظرا لما بها من فوائد على حد قولها.
من ناحية أخرى قال حسن بدوى"43 عاما، بائع" إنه يتناول الطيور فقط، نظرا لانخفاض سعرها عن اللحوم فضلا عن عدم الشكوك فى صحتها على عكس اللحوم المجمدة مثلا، مضيفا أنه لولا أطفاله الثلاثة لكان استغنى عن اللحمة نهائيا.
وأرجع بدوى ارتفاع أسعار اللحوم إلى من وصفهم بـ"الحرامية" إذ قال إن مصر بلد بها رأس مال كبير وخير كثير لولا بعض المسئولين والفاسدين والحرامية الذين يعيثون بها ولا يريدون ضبطا فى الأسعار تتوافق مع مستويات دخول الشريحة الأكبر فى مصر.
بينما أرجع صبحى عبد العليم "43 عاما، موظف" ارتفاع أسعار اللحمة إلى جشع التجار الكبار، ولكنه دعا الشعب المصرى إلى المقاطعة حتى يقفوا أمام هؤلاء التجار ويستخدموا البديل عوضا عن اللحمة مضيفا "ليس من المعقول أن أشترى كيلو اللحمة بـ60 جنيها".
إلا أن عبد العليم عاد ليؤكد أن المقاطعة وحدها هى السبيل الوحيد لانخفاض أسعار اللحوم، وليست الاعتصامات أو المظاهرات التى يرفض المشاركة فيها قطعيا قائلا "أسمع بيكون فى اعتقالات فى المظاهرات والاعتصامات دى وأنا عندى بيت وطفلين محتاجين فخلينى فى حالى أحسن".
فيما اقترح جورج ثابت "48 عاما، مديرحسابات" تقليل الكمية من تناول اللحوم التى اعتاد عليها البعض نظرا لارتفاع أسعارها بصورة جنونية أو البحث عن بديل كاف مثل الأسماك، مضيفا أنه فى كلتا الحالتين المستهلك هو المستفيد، لأن الإكثار من تناول اللحوم ليس صحيا ولكنه أمر غير معروف لكثير من المصريين، إلا أن هذا لا يمنع من ضرورة قيام الحكومة بواجبها والمتمثل فى الرقابة على أسعار اللحوم وضرورة ملاءمتها مع المستويات المادية للغالبية العظمى من المصريين وهو الأمر الذى لم يتحقق بعد.
كما أشار ثابت إلى أن حب المصريين للحوم شىء غريزى لا يمكن تفسيره، ولذا مهما زادت أسعار اللحمة سيقبل المعظم على شرائها، ولكن الأمر الذى لابد النظر إليه الآن هو الفئات الفقيرة التى تعد اللحمة بالنسبة لها بمثابة عيدا فلابد من تنظيم مظاهرات واعتصامات شبيهة بالتى قامت فى مرحلة السبعينات لانخفاض الأسعار، معولا ذلك على دور وسائل الإعلام.
وأضاف "وكل هذا لن يحدث لسبب أو لآخر الأمر الذى يعطى للحكومة مؤشرا حتى ترتفع المزيد من الأسعار فى ظل صمت الشعب المسكين لرضائه أو لخوفه"!
وعلى صعيد الأماكن الراقية فى مصر، رصدت اليوم السابع أسعار اللحوم فى مدينة المعادى التابعة لمحافظة حلوان، ففى شارع 90 تتواجد جزارة المعلم صبحى أحمد التى لم يصل تأثير المقاطعة بها إلى الحال الذى وصل إليها عند نظيرتها فى المناطق الشعبية إذ قال صبحى "الناس هى متعودة على الغالى وفى نفس الوقت ما يقدروش يستغنوا عن اللحمة، أنا مثلا ببيع كيلو اللحمة بـ80 جنيها بس مرتاح ضميرى، لأنى دا سعر اللحمة العادى فى الأسواق اليومين دول، وكمان هناك أسباب واقعية لارتفاع الأسعار عارفينها معظم زباين المنطقة هنا، دول ناس واعيين وفاهمين".
فيما قالت المدرِّسة سحر جمال والتى تعتاد على شراء اللحمة من المعلم صبحى أحمد "عارفين إن السعر غالى بس مانقدرش نستغنى عن اللحمة وهى داخلة فى معظم الأكلات اللى بنطبخها يعنى اتعودنا عليها، بس ياريت دا ما يكونش مبرر لغلاء سعر اللحمة أكثر من ذلك لأن البديل المستورد غير صحى وغير آمن بالمرة".
"اليوم السابع" يتابع مع الناس حملة مقاطعة اللحوم.. سناء: "توقفت عن شرائها لأنها مؤذية للشعب كله".. رشا ترفع شعار "مرة كل شهر" وترفض المقاطعة.. وصبحى ينتقد جشع التجار
السبت، 01 مايو 2010 11:04 م
اللحوم صارت هاجسا لدى المصريين ما بين مقاطع وموالٍ
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة